للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا قضيبا من فضّة يقطف النّر ... جس من وجنتيه والجلّنار

قمر طوقه الهلال ومن شم‍ ... س الدياجى فى ساعديه سوار

عجبا منك تحت برقعك النا ... ر وفيه الجنّات والأزهار

والليالى الطوال تنحت من جس‍ ... مى ما أبقت الليالى القصار

وبيّن ما يتضمن هذا الغزل من روعة التصاوير، فالقد الرشيق لصاحبته قضيب أو غصن من فضة يقطف منه النرجس والجلنار إشارة إلى جمال عينيها وخدودها، وقلادة الفضة تطوّق جيدها، بينما نور الشمس يلتف حول ساعديها سوارا، ويعجب أن تتوهج النار نار وجنتيها تحت برقعها بينما بجانبها الجنات من النرجس والجلنار والأزهار. وتطول به الليالى سهرا وسهادا، حتى لتضنيه، بل حتى كأنما تنحت جسمه، مخلّفة له الألم والشحوب. ودائما يلقانا هذا الغزل والنسيب الرائع فى مقدماته لمدائحه على شاكلة قوله فى استهلال مدحة ثانية لأحمد بن الحسين:

إذا جئت الغضا-ولك السلامه ... فصارح بالتحية ريم رامه (١)

وقل للوائليّة هل لروحى ... وما أتلفت من جسدى غرامه

حللت تهامة وحللت نجدا ... فأين وأين نجد من تهامه

وسارت القصيدة مسيرة أختها السابقة وعارضها كثير من الشعراء، ولا ريب فى أنه كان يغنّى بها كما كان يغنى بأختها الرائية السالفة. ومن طريف نسيبه:

أراك تروح ما ودّعت نجدا ... ولا أحدثت بالعلمين عهدا

ولا صافحت أهل الرّمل كفّا ... فكفّا فيه أو خدّا فخدّا

ضلال ما أتيت من التجافى ... ألا بعدا لما أضمرت بعدا

وكيف سلوت عن أرض بأرض ... يفوح ترابها مسكا وندّا (٢)

والأبيات تسيل رقة وعذوبة، ويروى أن بعض الوجهاء فى اليمن جاءه طلب عاجل من أحد الأمراء بأن يفد عليه لأمر مهم، وكانت زوجته اتخذت زينتها له أو شيئا من زينتها، فلما رأته يهم بالخروج تعرضت له منشدة قول ابن هتيمل.

أراك تروح ما ودّعت نجدا ... ولا جدّدت بالعلمين عهدا

فابتسم الزوج وأجّل زيارة الأمير (٣). وفى هذا الخير ما يشير بوضوح إلى أن أهل اليمن رجالا ونساء كانوا يتداولون شعر ابن هتيمل فى حياته وبعد مماته. وكان المغنون يتغنون فى بعض


(١) الغضا: من شجر نجد وبواديها. الريم: الظباء. ورامة: موضع بنجد.
(٢) الند: عود يتطيب به، طيب الرائحة.
(٣) مقدمة الديوان ص ٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>