إذ ينسب نفسه إليها فى بعض شعره حين نزلت به كارثة السجن فى آخر حياته كما سيأتى قائلا عن نفسه:
وهذا التهامىّ من مكة ... برجليه يسعى إلى حتفه
ولا يعرف زمن مولده، وتدل مدائحه فى الديوان على أنه ارتحل من موطنه إلى العراق والموصل وديار بكر، إذ بين ممدوحيه أناس من الكوفة وبغداد وميّا فارقين وآمد ونصيبين، وأيضا بينهم قرواش (٣٩١ - ٤٤١ هـ) صاحب الموصل وبواديه. ويلاحظ أن ديوانه يخلو من مدائح أمراء مكة، مما يدل على أنه غادرها مبكرا. ويبدو أنه بارح كل تلك الأنحاء إلى الشام كما يذكر صاحب دمية القصر، وبها ألقى عصاه فى الرملة عند آل الجراح أمراء طيئ، وقد عينوه خطيبا لبلدتهم. وفى ديوانه مدائح مختلفة لأميرهم المفرّج دغفل المتوفى سنة ٤٠٤ ولعله أول من استقبله من آل الجراح أصحاب فلسطين، وعاش فى رحابه ورحاب ابنه حسان (٤٠٤ - ٤٦٧ هـ). وكانت نفسه حدثته بالشغب على الفاطميين-على عادة آبائه-فرأى أن يرسل التهامى إلى بنى قرّة فى صعيد مصر كى يحدثوا شغبا عليهم، وأرسل معه كتبا كثيرة إليهم. فقدم القاهرة مستخفيا فى سنة ٤١٦ غير أن الفاطميين ظفروا به، فاعتقلوه فى سجن خزانة البنود فى السادس والعشرين من شهر ربيع الآخر، وظل به إلى أن توفى-أو قتل-فى تاسع جمادى الأولى من نفس السنة.
والتهامى يعدّ فى الذروة من شعراء الجزيرة فى هذا العصر، وفيه يقول صاحب الدمية: «له شعر أدقّ من دين الفاسق، وأرقّ من دمع العاشق، كأنما روّح بالشّمال (الريح) أو علّل بالشّمول (الخمر) فجاء كنيل البغية ودرك المأمول» وقال ابن تغرى بردى: «كان من الشعراء المجيدين وشعره فى غاية الحسن» ونقل ابن خلكان عن ابن بسام قوله عنه فى كتابه الذخيرة: «كان مشتهر الإحسان، ذرب اللسان، مخلّى بينه وبين ضروب البيان، يدل شعره على فوز القدح، دلالة برد النسيم على الصبح، ويعرب عن مكانه من العلوم، إعراب الدمع عن سر الهوى المكتوم». وقد اشتهر بمرثيات له فى ابنه أبى الفضل الذى هصرت المنون غصنه النضير تحت عينه، وأهم تلك المراثى رائيته، وهو يستهلها واعظا، بقوله:
حكم المنيّة فى البريّة جارى ... ما هذه الدنيا بدار قرار
طبعت على كدر وأنت تريدها ... صفوا من الأقذاء والأكدار
ومكلّف الأيام ضدّ طباعها ... متطلّب فى الماء جذوة نار
والعيش نوم والمنيّة يقظة ... والمرء بينهما خيال سارى