للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سواء عنده قول المنادى ... هلمّ إلى الطّعان أو الطعام

وواضح فى مديحه سهولة الشعر عليه وأنه يطلق نفسه على سجيتها، فيأتى بكثير من المعانى الطريفة والصور البديعة، على نحو ما يلاحظ فى صورة البيت الأول، فهى صورة بسيطة، فالعطايا فى يد مفرج كالكلام فى لسانه لا يزال يرسلها، ومثل هذه الصورة فى الطرافة صورة البيت الأخير، فممدوحه لا يزال فى حشد من جوده وبأسه على طعامه وطعانه. وفيه يقول فى مدحه ثانية:

هو السالب الأعداء فى ساحة الوغى ... ويسلبه فى ساعة السّلم زائره

يخبّرنا عن جوده بشر وجهه ... وقبل انصداع الفجر تبدو بشائره

ويصدق فيه المدح حتى كأنما ... يسبّح من صدق المقالة شاعره

والبيتان الأخيران تتضح فيهما الفكرة التى أشرنا إليها آنفا وهى سهولة كلمه مع طرافة صوره، مما يدل على فطرة شعرية أصيلة عند الشاعر، ومن قوله فى مديح حسان بن المفرج من مدحة طويلة:

هو الملك يبلى بسيطه قبل وقتها ... سجود ملوك فوقها وقيامها

بعيد مداه ليس تألف كفّه ... من المكرمات الغرّ إلا جسامها

ولو أن للأقمار ضوء جبينه ... لما زال عنها نورها وتمامها

وليس بمشغول البنان عن النّدى ... إذا شغل الكفّ اليمين حسامها

وواضح تخلصه فى البيت الأخير من أن تكون بنان الممدوح مشغولة دائما بالسيف، فتشغل عن العطايا والكرم، وتكثر فى أشعاره مثل هذه التخلصات والصور الدقيقة. وله نسيب بالديار وغزل رقيقان، وكثير منهما يقدّم به مدائحه، على شاكلة قوله فى إحدى مقدمات مدحة دالية:

أتروم تغطية الهوى بجحوده ... ونحول جسمك من أدلّ شهوده

كم قلت إياك الحجاز فإنّه ... ضريت جآذره بصيد أسوده

وأردت صيد مها الحجاز فلم يسا ... عدك القضاء فصرت بعض صيوده

أخفى هواه وهو نار مثلما ... يخفى الزناد ضرامه فى عوده

والصورة فى البيت الثانى بديعة فظباء الحجاز أو جآذره تصيد أسوده، ويحاول صيد المها فيصبح من صيودها، ونار الحب كامنة فى فؤاده كمون نار الزناد فى عوده. ونحس دائما بأن الصور والمعانى طبيعية، وكذلك الألفاظ فهى سلسة سائغة عذبة. وفى أشعاره حكم وزهد ورفض للدنيا ومتاعبها، ومن طريف حكمه قوله:

<<  <  ج: ص:  >  >>