للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقول طفيل الغنوى فى وصف ناقته:

وجعلت كورى فوق ناجية ... يقتات شحم سنامها الرّحل (١)

وقول الحارث بن حلّزة اليشكرى:

حتى إذا التفع الظّباء بأط ... راف الظّلال وقلن فى الكنس (٢)

وفى شعرهم كثير من هذه الاستعارات الطريفة، وسنعرض لطائفة منها ومن التشبيهات فى دراستنا لشعرائهم المبرزين، وكانوا يضيفون إلى ذلك عناية ببعض المحسنات التى شاعت فى الشعر العباسى وكثر استخدامها فيه حتى اتخذها بعض الشعراء مذهبا يطبقها على جميع أبياته أو جمهورها، ونقصد الطباق والجناس، فلهما أصول فى الجاهلية، ونحن نجدهما عند امرئ القيس فى وصفه لفرسه إذ يقول:

مكرّ مفرّ مقبل مدبر معا ... كجلمود صخر حطّه السّيل من عل

كميت يزلّ اللّبد عن حال متنه ... كما زلّت الصّفواء بالمتنزّل (٣)

والطباق واضح فى البيت الأول ومثله الجناس فى البيت الثانى. وقد أنشد المفضل الضبى لعبد الله بن سلمة الغامدى قصيدة كثر فى آخرها الجناس كثرة مفرطة، حتى لكأننا بإزاء شاعر عباسى من شعراء البديع، يقول عبد الله (٤):

ولقد أصاحب صاحبا ذا مأقة ... بصحاب مطّلع الأذى نقريس (٥)

ولقد أزاحم ذا الشّذاة بمزحم ... صعب البداهة ذى شذا وشريس (٦)


(١) الكور: الرحل، ناجية: ناقة سريعة.
(٢) التفعت الظباء بالظلال: دخلت فيها واكتنت من الحر. وقلن: أمضين القائلة وهى نصف النهار. والكنس: جمع كناس وهى حفرة تحفرها الحيوانات الوحشية فى أصل شجرة لتستتر فيها.
(٣) الكميت: الأحمر فى سواد، يزل: يسقط، يريد أنه أملس المتن. الصفواء: الصخرة الملساء، المتنزل: النازل عليها.
(٤) المفضليات ص ١٠٧.
(٥) المأقة: حدة الغضب، وصحاب: مصدر صاحب، مطلع الأذى: مالك له فى استعلاء، والنقريس: الحاذق.
(٦) ذا الشذاة: ذا الأذى. بمزحم: شديد المزاحمة. صعب البداهة: شديد المفاجأة. والشذا: الأذى، والشريس: الشراسة.

<<  <  ج: ص:  >  >>