للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جمعت ردينيّا كأنّ سنانه ... سنا لهب لم يتّصل بدخان

وكان الجاحظ يعجب إعجابا شديدا بوصف عنترة لبعض الرياض وتصويره للذباب وحركة جناحيه حين يسقط، إذ يقول (١):

جادت عليها كلّ عين ثرّة ... فتركن كلّ حديقة كالدّرهم (٢)

فترى الذباب بها يغنّى وحده ... هزجا كفعل الشارب المترنّم

غردا يحكّ ذراعه بذراعه ... فعل المكبّ على الزّناد الأجذم (٣)

فقد شبه قرارات الروضة وحفرها بالدراهم، وشبه صوت الذباب بصوت الشارب المترنم، وما زال يطلب صورة نادرة حتى وقع على الصورة الأخيرة إذ شبه الذباب فى حركة أجنحته الدائبة حين يسقط برجل مقطوع اليدين يقدح النار من عودين أو زندين فلا تقتدح، فيستمر فى قدحه لا يفتر.

وبجانب التشبيهات الكثيرة التى تلقانا فى شعرهم نجد الاستعارة بفرعيها من التصريحية والمكنية، وهى مبثوثة فى أقدم أشعارهم. نجدها عند امرئ القيس ومعاصريه كما نجدها عند من جاءوا بعده، ومن أمثلتها الطريفة عند امرئ القيس تصويره طول الليل وفتوره وبطئه ببعير جاثم لا يريم، إذ يقول فى معلقته مخاطبا الليل:

فقلت له لما تمطّى بصلبه ... وأردف أعجازا وناء بكلكل (٤)

وأنشد ابن المعتز فى كتابه «البديع» كثيرا من استعاراتهم مثل قول أوس بن حجر:

وإنى امرؤ أعددت للحرب بعد ما ... رأيت لها نابا من الشرّ أعصلا (٥)

وقول علقمة بن عبدة:

بل كلّ قوم وإن عزّوا وإن كرموا ... عريفهم بأثافى الشرّ مرجوم (٦)


(١) الحيوان ٣/ ٣١٢ ومختار الشعر الجاهلى للسقا ص ٣٧١.
(٢) العين الثرة هنا: السحابة غزيرة المطر، وشبه الحديقة بالدرهم فى استدارته.
(٣) الأجذم: مقطوع اليدين.
(٤) الكلكل: الصدر.
(٥) الأعصل: المعوج فى صلابة.
(٦) العريف: الرئيس، والأثا فى: الحجارة التى تنصب عليها القدر، استعارها لنوائب الدهر.

<<  <  ج: ص:  >  >>