للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فى هذا الجانب وكيف حققوا لموسيقاهم مهما جزلت وتضخمت كل ما يمكن من بهاء ورونق.

وقد استعانوا منذ أقدم أشعارهم، لغرض التأثير فى سامعيهم، بطائفة من المحسنات اللفظية والمعنوية، وأكثرها دورانا فى أشعارهم التشبيه، فلم يصفوا شيئا إلا قرنوه بما يماثله ويشبهه من واقعهم الحسى، فالفرس مثلا يشبّه من الحيوان بمثل الظبى والأسد والفحل والوعل والذئب والثعلب ويشبّه من الطير بالعقاب والصقر والقطاة والباز والحمام، ويشبه بالسيف والقناة والرمح والسهم وبالأفعوان والحبل والهراوة والعسيب والجذع وتشبّه ضلوعه بالحصير وصدره بمداك العروس وغرته بخمار المرأة والشيب المخضوب ومنخره بالكير وعرفه بالقصبة الرطبة وحافره بقعب الوليد وعنقه بالرمح والصعدة وعينه بالنقرة والقارورة ولونه بسبائك الفضة وارتفاعه بالخباء. وكل هذه الأوصاف والتشبيهات مبثوثة فى المفضليات والأصمعيات، ويعرض علينا امرؤ القيس فى وصفه لفرسه بمعلقته طائفة طريفة منها. وعلى نحو ما لا حظنا آنفا كانوا يحاولون الإطراف فى التشبيه، حتى يخلبوا ألباب سامعيهم، وقد يقعون على صور نادرة كتصوير المتنخل اليشكرى لغدائر بعض النساء بأنها كالحيات، يقول (١):

يعكفن مثل أساود ال‍ ... تّنّوم لم تعكف لزور (٢)

وكانوا يشبهون المرأة بالبدر والشمس، وألمّ سويد بن أبى كاهل بهذا التشبيه، وحاول أن يخرجه إخراجا جديدا فقال (٣):

حرّة تجلو شتيتا واضحا ... كشعاع الشمس فى الغيم سطع (٤)

فجعل أسنان صاحبته المفلجة البيضاء كشعاع الشمس يبزغ من خلل الغيم.

وكانوا يشبهون الرمح بالجمر ولهبه، وألمّ عميرة بن جعل بهذا التشبيه فأضاف إليه إضافة جديدة، إذ قال (٥):


(١) الأصمعيات ص ٥٤.
(٢) يعكفن: يمشطن شعرهن، والأساود: الأفاعى، والتنوم: شجر، ولم تعكف لزور كناية عن عفتهن.
(٣) المفضليات ص ١٩١
(٤) الشتيت: المتفرق يريد أسنانها المفلجة، واضحا: أبيض.
(٥) المفضليات ص ٢٥٩، والردينى: الرمح.

<<  <  ج: ص:  >  >>