وللخمر حيّز كبير فى الديوان، ويستظهر الأستاذ عز الدين التنوخى أنه كان يطلق لنفسه العنان فى مطالع حياته، ويقرن إحدى خمرياته إلى خمرية لأبى نواس، ويبين مدى إغارته على معانيها وصورها وعلى الوزن والقافية، ومن شعره فى الخمر قوله:
وكم جنّة فى الأرض دان قطوفها ... بها غرفات أيّما غرفات
قضينا بها أيامنا بمدامة ... لدى قاصرات الطّرف بين سقاة
وواضح أنه لكى يجمّل صورة الجنة جاء بقاصرات الطرف اللائى يقصرن عيونهن على صواحبهن ولا يلتفتن إلى غيرهم، كما جاء بالحور العين وأضاف إليهن أولادهن من البراغز وهن يطرّبنهم بالضرب والعزف والغناء على الآلات الموسيقية. ويبدو أنه كثيرا ما كان يفكر فى الدنيا ونوائبها إذ نرى له بعض مواعظ فى ديوانه-وله رثاء حار لأخ ثار عليه وقتله- ولعل من الطريف أن نجده يختم بعض قصائده بالصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، على شاكلة قوله فى خاتمة إحدى قصائده:
وأختم شعرى بذكر الرسول ... نبىّ البريّة نور الظلام
وفى الحق أنه كان شاعرا مجيدا، وتكثر معارضاته واقتباساته من الشعراء السابقين، غير أن ملكته الشعرية كانت ملكة خصبة.