للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما توفى على الصليحى رثاه على لسان أخته السيدة تحفة. وسرعان ما أخذ الشعراء يحرّضون ابنه السلطان المكرم على الأخذ بثأره والانتقام من سعيد بن نجاح وأخيه وكانوا حبشانا ودولتهم حبشية كما مر بنا. وانبرى الحسين بن على بن القم يحثه هو وقومه على الانتقام لعلى الصليحى بمثل قوله:

أقحطان هزّى البيض واعتقلى السّمرا ... وردّى العوالى من دماء العدا حمرا (١)

ولا تهدرى ثأر المظفّر إنّه ... بنى لكم مجدا وشاد لكم فخرا (٢)

وليس فى المصادر التى بين أيدينا مدائح له فى المكرم، ولكن أثرت له بعض رسائل وجّهها على لسانه إلى المستنصر الخليفة الفاطمى، مما يدل بوضوح على أنه كان كاتب الإنشاء فى عهده، بينما كان أبوه وزير أسعد بن شهاب فى زبيد، كما أسلفنا، ويبدو أنه استقبل جيّاش بن نجاح استقبالا حسنا حين استولى على زبيد، وربما كان من أسباب استيلائه على زبيد. وأكبر الظن أن الحسين لم يشرك أباه فى خروجه على الصليحيين، على كل حال شعره يدل على أنه ظل يخدم الملكة الحرة أروى وزوجها سبأ، وله فيها قصيدة دالية بديعة يقول فى تضاعيفها:

أعلمت أن من الرماح قدودا ... ومن الصّفاح محاجرا ونهودا

أعلى الأنام أبا وأكرم طينة ... وأتمّ أعراقا وأصلب عودا

لو كان يعبد للجلالة فى الورى ... بشر لكانت ذلك المعبودا

هى نعمة الله التى ما ماؤها ... ثمدا ولا معروفها مجحودا (٣)

والبيت الأول رائع فى تصوير حزم هذه السيدة وقدرتها على تصريف شئون الحرب، إنها ذات بأس وجلال وجمال، ومن المؤكد أنه ظل على كتابة الإنشاء لها بعد وفاة السلطان المكرم (٤) وكذلك لزوجها سبأ بن أحمد حتى توفى سنة ٤٩١ إذ ينص القدماء على أنه كان يقيم معه فى حصن أشيح حتى وفاته، وفيه يقول من مدحة بائية:

إن ضامك الدهر فاستعصم بأشيح أو ... أزرى بك الفقر فاستمطر بنان سبا

تخال صارمه يوم الوغى نهرا ... تضرّمت حافتاه من دم لهبا

والصورة فى البيت الثانى طريفة، وكان يحسن اجتلاب الصور والمعانى، مع جزالة الأسلوب ونصاعته، وفى سبأ يقول من قصيدة ثانية:


(١) البيض: السيوف. السمر: الرماح. العوالى: أسنة السيوف والرماح.
(٢) المظفر: لقب على الصليحى.
(٣) ثمدا: قليلا.
(٤) فى المفيد لعمارة أنه (كان شاعرا ومترسلا يكتب عن السيدة الحرة إلى الديار المصرية).

<<  <  ج: ص:  >  >>