الخطاب للآمر الخليفة الفاطمى، من ذلك قوله فى قصيدته الأولى التى يمدح بها الآمر:
يا من أسمّيه بالألفاظ معترفا ... أنّ المعانى فيها عنه تقصير
وما ظهرت من النّاسوت أنت به ... تجلّيا لهدانا فهو مشكور
صفو من الصّفو شفّاف تقدّس أن ... يشوب جوهره الشفّاف تكدير
وهو يصرح فى الأبيات بأن الآمر فوق الحدود المعروفة لعقول البشر، ويقول إنه فى الظاهر ناسوت أى جسم ويشير إلى ما كان يردده دعاة الفاطميين من أن جسم الإمام ليس جسما ماديا، هو شبح يكمن فيه اللاهوت وهو الجانب النورانى. وفكرة الناسوت واللاهوت مأخوذة عن عقيدة المسيحيين فى المسيح. ويقول الخطاب عن الآمر إنه صفو شفاف لا تشوبه الأكدار أى أنه نورانى خالص. ونمضى معه إلى القصيدة الثالثة، وهى أيضا فى الآمر:
يا من نسمّيه تعريفا نقرّره ... بشخصه فى نفوس القوم تقريرا
ولو نشاء لقلنا فى النداء له ... بالصّدق يا حىّ يا قيّوم مشهورا
يا عالم الغيب منا والشهادة يا ... بارى البريّة تركيبا وتصويرا
شهدت أنك فرد واحد صمد ... شهادة لم تكن مينا ولا زورا
والخطاب يشير فى الأبيات إلى ما زعمه الفاطميون ودعاتهم من أن الله لا يجوز أن يسمى باسم لأنه أسمى من كل اسم، ومن ثمّ يضفون أسماءه الحسنى فى القرآن الكريم على أئمتهم، غلوا مذموما، زاعمين أنهم ربانيون لهم ألقاب الله وصفاته، على نحو ما نرى الآن عند الخطاب، إذ لا يجد بأسا من أن ينادى على الآمر بأنه الحى القيوم وأنه الفرد الواحد الصمد، كبرت كلمات تخرج من فمه وفم أضرابه من دعاة الفاطميين المارقين، ويزعم أنه عالم الغيب والشهادة، ويمضى فى هذا الغلو الشنيع قائلا للآمر:
أنت الذى كلّ شئ نحن نعلمه ... فان سوى وجهه عكسا وتغييرا
أنت الذى فطر الأشياء قاطبة ... خلقا وأمرا وإيمارا ومأمورا
أنت الذى سمك السّبع الشّداد على ... علم أدار بها الأفلاك تدويرا
أنت الذى سطح الأرض المهاد لنا ... فرشا وقدّر فيها الرزق تقديرا
وهو يزعم أن الآمر سرمدى الحياة، لا يلحقه فناء، وكأنه إلهى الذات، ويشير فى البيت الثانى إلى وصف القرآن للذات العلية فى مثل قوله: {(فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)} وقوله: {(أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ)}. ويجعله فى البيت الثالث رافع السموات السبع ومدبّر الأفلاك فيها. والبيت الرابع مأخوذ من مثل قوله تعالى: {(وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ)}