للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدعاية للدولة، وكثير من الأئمة كانوا شعراء فكان طبيعيا أن يعنوا بالشعر والشعراء. وأول من يلقانا من أئمة مكة الشعراء الأمير أبو الفتوح وقد أنشدنا له أبياتا طريفة فى غير هذا الموضع، وكان عيسى بن فليتة أمير مكة المتوفى سنة ٥٧٠ يجزل العطايا لشعرائه وفى مقدمتهم قائده النوبى الأصل سالم بن أبى سليمان، وفيه يقول من مدحة طويلة (١):

هو نور ربّ العرش بين عباده ... فليعلموا والحجّة البيضاء

لله يأمر باطنا أو ظاهرا ... فتصرّف الأقدار كيف يشاء

يوماه يوم للنّوال وآخر ... تردى بسطوة بأسه الأعداء

إن الثناء عليك من ربّ السّما ... أغناك عما قالت الشعراء

وهو يغلو فى مديحه لهذا الإمام الزيدى، وكأننا نقرأ عنده ما نقرؤه عند السلطان الخطاب من الغلو فى مديح الآمر الخليفة الفاطمى، فإمامه نور خالص هو نفس نور الله، وهو الحجة القائم على رعيته، وتجرى الأقدار بما يشاء وكيف يشاء، أما ثناء الله عليه فيريد به ثناءه على أهل البيت فى القرآن الكريم وأنه أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

ومن أئمة مكة الحسن بن على بن قتادة المتوفى سنة ٦٥١ وكان شاعرا، ومن قوله (٢):

وأذّنت حين تجلّى الصباح ... بحىّ على خير هذا العمل

وكان الزيدية فى الجزيرة بمكة وفى اليمن والمخلاف السليمانى ينادون فى الأذان: بحىّ على خير العمل». ويمتلئ كتاب العقد الثمين بمدائح أمراء مكة، ويكفى أن نستشهد ببعض الأمثلة، فمن ذلك قول موفق الدين على بن محمد الحنديدى فى حميضة أمير مكة المتوفى سنة ٧٢٠ للهجرة (٣):

خليفة لا يخلف الوعد ولا ... يضنّ عن سائله بما اقتنى

إمام حقّ جدّ فى الله فما ... فى الله مذ جدّ وهى ولاونى

أخاف فى الله تعالى من بغى ... وأمّن الخائف حتى أمنا

هو ابن من أسرى به الله ومن ... من قاب قوسين تدلّى ودنا

وليس فى مديحه غلو، بل هو مديح لإمام زيدى بالكرم والتقوى والعدل ورفع البغى والظلم ونشر الأمن، ويشير فى البيت الأخير إلى الإسراء بالرسول ومعراجه إلى السموات وما جاء فى سورة النجم: {ثُمَّ دَنا فَتَدَلّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى}. وللحنديدى فى مديح


(١) الخريدة (قسم الشام) ٣/ ٤٦.
(٢) العقد الثمين ٤/ ١٦٢.
(٣) العقد الثمين ٤/ ٢٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>