زادا كافيا قلّد القضاء ببلاد العدين من اليمن الأسفل لعهد الإمام الزيدى محمد بن أحمد ابن الحسن (١٠٩٧ - ١١٢٨ هـ) وما زال يتولى هذا المنصب حتى عهد إليه الإمام الزيدى التالى المتوكل القاسم بن الحسين (١١٢٨ - ١١٣٩ هـ) بالقضاء فى بلاده وفى وصاب غربى زبيد. وفى سنة ١١٣٦ وشى إلى القاسم أنه يسعى ضده مع بعض الثائرين وأنه صاحب القصيدة: «سماعا عباد الله أهل البصائر» وهى قصيدة تصور ظلمه وتدعو للثورة عليه. فقبض عليه القاسم وألقى به فى غياهب السجون، وأخذ العنسىّ يرسل إليه قصائد مستعطفا بمثل قوله:
إمام الورى عطفا على خائف عطفا ... بحق الذى أبقاك فى خلقه كهفا
فو الله مالى قطّ ذنب عرفته ... وهذا الذى أبدى ولله ما يخفى
إمام الهدى هبنى جنيت جناية ... فهبنى لأطفال كطير القطا ضعفا
وتحقق القاسم من براءته، فردّ إليه حريته، وعينه حاكما بالحيمة من بلاد صنعاء، وظل بها إلى أن لبىّ نداء ربه سنة ١١٣٩ هـ/١٧٢٦ م. ويكتظ كتاب نشر العرف بأشعار إخوانية متبادلة بينه وبين بعض الأمراء والأدباء فى ترجمته وتراجمهم. وله قصائد مختلفة تتصل بالأحداث فى عهد المتوكل القاسم بن الحسين، من ذلك أنه لما أكمل بناء السور على بستان باب السبحة فى صنعاء سنة ١١٣٤ مدحه بنونية يقول فيها:
أما قيل فى البستان وهو بأهله ... وبالملك سام لا يدانيه غمدان (١)
ويعمره من يعمر الدين عدله ... ويحيى به معنى الفخار ويزدان
ومن ذلك إيقاع المتوكل القاسم فى صنعاء بقبائل أرحب سنة ١١٣٨ حين اعتدوا على بعض فرسانه، ففتك بهم فتكا ذريعا. وصوّر ذلك العنسى فى ميمية عارض بها ميمية المتنبى فى سيف الدولة التى وصف فيها واقعة الحدث وهزيمته للروم هزيمة ساحقة. وقد استعار منها كثيرا من قوافيه ومعانيه وصوره وألفاظه، من مثل قوله:
نثرت دنانير الوجوه على الثّرى ... كما نثرت فوق العروس الدراهم
هنيئا لضرب الهام والمجد والنّدى ... وراجيك والإسلام أنك سالم
وقوفك ما بين الخميسين باسما ... وموج المنايا حولك المتلاطم
ولست مليكا هازما لنظيره ... ولكنك الإسلام للشرك هازم
والأبيات شديدة الصلة بقصيدة المتنبى: «على قدر أهل العزم تأتى العزائم». وهى ظاهرة تلاحظ فى شعراء اليمن المتأخرين إذ يكثرون من معارضة الشعراء النابهين لا فى المديح
(١) غمدان: قصر عتيق باليمن.