مستوحى من الدعوة الوهابية بل قل إنه صادر عنها، أو قل إنها مادته سواء تغنّى بابن عبد الوهاب وأفكاره أو تغنى بفيصل وأعماله أو بغيره من قواده. فالدعوة الوهابية مادة الديوان وابن مشرف ليس متضامنا معها فحسب، بل هو أداة من أدواتها يذيعها ويناضل عنها خصومه ويؤيدها بكل ما استطاع من حجة وبرهان. وقد سمى أول قصيدة فى الديوان باسم جوهرة التوحيد وهو يستضئ فيها بما كتبه محمد بن عبد الوهاب عن التوحيد، ويستهلها بالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وأزواجه وأصحابه ثم تتوالى فصولها وأولها فصل عن الإيمان وفيه يقول:
الخير والشرّ جميعه صدر ... من أمر ربنا وذا هو القدر
ومرّ بنا أن محمد بن عبد الوهاب كان يدعو إلى الإيمان بالقضاء والقدر وأن كل شئ مقدر على الإنسان منذ الأزل ولا صحة لما يقوله المعتزلة من أن الإنسان كامل الحرية فى تصرفاته يأتى ويترك من الأفعال ما يريد فهو خالق أفعاله باختياره. ويرد على ذلك ابن مشرف بعبارة أوضح فى موضع آخر منشدا:
وكلّ شئ قضاه الله فى أزل ... طرّا وفى لوحه المحفوظ قد سطرا
والله خالق أفعال العباد وما ... يجرى عليهم فعن أمر الإله جرى
فليس فى ملكه شئ يكون سوى ... ما شاءه الله نفعا كان أو ضررا
ويعقد فصلا لأنواع التوحيد. ويقول كما قال محمد بن عبد الوهاب، إن أضرب الوحدانية ثلاثة ويعدّها على هذا النمط:
توحيد ربّ الناس فى الملك وفى ... صفاته وفى العبادة اقتف
فالأولى وحدانية الربوبية وهى اعتقاد كون الملك لله وحده لا شريك له، فهو المتصرف فيه بالخلق والتكوين والرزق والحياة والموت. والثانية وحدانية الأسماء والصفات، من مثل الحى الباقى القديم الأول الآخر الصمد الواحد الفرد السميع العالم البصير المريد القدير والثالثة وحدانية العبادة لله وأنه لا شريك له ولا معبود سواه.
ويثير ابن مشرف تبعا لمحمد بن عبد الوهاب المشكلة القديمة لعصر المأمون والمعتصم والواثق مشكلة خلق القرآن وعدم خلقه أو مشكلة حدوثه وعدم حدوثه، وهى المشكلة التى ورّط المعتزلة فيها هؤلاء الخلفاء وجعلوهم يحاولون أن يحاكموا على أساسها بعض الفقهاء ممن لا يقولون بخلق القرآن وفى مقدمتهم ابن حنبل إمام الوهابية. ويقول ابن مشرف إن القرآن الكريم عين كلام الله لفظا ومعنى والمخلوق إنما هو نطق الناس به يقول: