للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تائب إلى ربه، فإن تأخذ فيدك الأقوى، وإن تعف فهو أقرب للتقوى. والسلام».

وكان سلاطين المماليك حين يتوقعون من أحد أمراء المدينتين المقدستين اعوجاجا فى حكمه أو جورا يأخذون عليه العهود والأيمان أن يسير مسيرة قويمة ملتزما فيها بما عاهدهم عليه من شأن رعية بلدته وشأن الحجيج، مع ذكرهم فى الخطبة، ومع ضرب السكة أو النقود بأسمائهم، وفيما يلى عهد أبى نمىّ للسلطان قلاوون سنة ٦٨١ أن ينفذ السياسة المرسومة له وهو يمضى على هذا النمط (١):

«أخلصت يقينى وأصفيت طويّتى وساويت بين باطنى وظاهرى فى طاعة مولانا السلطان الملك المنصور (قلاوون) وولده السلطان الملك الصالح وطاعة أولادهما. . وإنى عدوّ لمن عاداهم، صديق لمن صادقهم، حرب لمن حاربهم، سلم لمن سالمهم. . وإننى ألتزم ما اشترطته لمولانا السلطان وولده فى أمر الكسوة الشريفة المنصورية الواصلة من مصر المحروسة وتعليقها على الكعبة المشرّفة فى كل موسم وأن لا يتقدم علمه علم غيره، وإننى أسبّل زيارة البيت الحرام أيام مواسم الحج وغيرها للزائرين والطائفين والبادين والعاكفين اللائذين بحرمه والحاجّين والواقفين، وإننى أجتهد فى حراستهم من كل عاد بفعله وقوله، وإننى أؤمنهم فى شربهم، وأعذب لهم مناهل شربهم، وأننى أستمر-والله-بتفرد الخطبة والسكة بالاسم الشريف المنصورى، وأفعل فى الخدمة فعل المخلص الولى. وإننى-والله- أمتثل مراسيمه امتثال النائب للمستنيب، وأكون لداعى أمره أول سميع مجيب».

وواضح أن أبا نمى لم يستخدم فى هذا العهد السجع كما استخدمه فى الخطاب الذى رد به على بيبرس، وكأنه عنى هنا بالمضمون أكثر من عنايته بالأسلوب، ولذلك لم يستخدم السجع، أو لعل الخطاب السابق من صنع كاتب الإنشاء لعهده، أما العهد فمن صنعه هو وإملائه، ولذلك جاء خاليا من التنميق.

والرسائل الديوانية فى اليمن كثيرة منذ الدولة الصليحية، ومن أبلغها بيانا رسالة الحسين ابن على بن القمّ كاتب الإنشاء للدولة الصليحية على لسان الملك المكرم أحمد بن على الصّليحى سنة ٤٦٠ وهى موجهة إلى الخليفة المستنصر الفاطمى يخبره فيها باغتيال سعيد بن نجاح وأخيه جياش لعلى بن محمد الصليحى فى طريقه إلى الحج فى ذى القعدة لسنة ٤٥٩ وما كان من استرداد هما لزبيد وكيف مضى الملك المكرم يستعد للأخذ بثأر أبيه، مما مكنه أن ينقضّ على آل نجاح فى السنة التالية، ويسحق جموعهم. ويفتك بسعيد ويهرب أخوه جياش إلى الهند، وتدخل زبيد فى طاعته. ويصور ابن القمّ فى الرسالة انتصارات الملك


(١) العقد الثمين ١/ ٤٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>