المكرم على جيوش الزيدية والخارجين وكيف محقها محقا. والرسالة تفتتح بالبسملة والحمد لله والصلاة على رسوله، ويتوالى الثناء على الخلفاء الفاطميين وغمسه أو صبغه بالعقيدة الفاطمية الإسماعيلية، ونحن نسوق منها أطرافا تصور روعتها البيانية (١):
«المملوك يناجى حضرة الإمامة، ويناهى سدّة الخلافة، جعل الله عزهما باقيا على الأيام، ومجدهما غير منقطع الدوام، عالما أنه يلبس بذلك شرف الدارين، ويستولى به على الحسنيين، شائما (متطلعا) من مولاه برقا مضيّا، ومستظلا من سحاب الإكرام ودقا (غيثا) رويّا، ومتبوّئا من رتب الاختصاص مكانا عليّا، ومتعرضا لمنزلة من أدناه وقرّبه نجيّا. إنه قد كان قدّم خدمة يطالع بها بأنباء جزيرته، وينهى أخبار دعوته، وما جرى عليه أمرها من الفتن، ودارت فيه من دوائر المحن، التى ملأت قلوب أعداء الدين سرورا، وازداد بها الكافر طغيانا وكفورا، وأظهر كل منافق ما كان من الغدر كامنا مستورا، وقال الذين فى قلوبهم مرض {ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلاّ غُرُوراً}. . . وجدّ عزم المملوك (الملك المكرم) بعد خيرة الله تعالى وخيرة وليه صلوات الله عليه على المسير للعبيد (يريد آل نجاح الأحباش قتلة أبيه) إلى مدينة زبيد. . فوردها فى التاسع والعشرين من صفر سنة ٤٦٠ وقد سبق النذير إلى العبد (يريد سعيد بن نجاح أمير زبيد) وألفاه المملوك صافاّ على أحد أبواب المدينة، وقد نفخ الشيطان ريح الطغيان فى أنفه، وأراه الحياة فى حتفه، قد عصب برأسه من الكبر تاجا ظن أن الله لا يستطيع له نزعا، وتجلبب من الجبروت بثوب لا يروم له ما عاش خلعا. . {(أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً)}. فدلف إليه المملوك فى جماعة من المؤمنين قاموا لله أنصارا، واتخذوا الصبر شعارا، والله-عز وجلّ-جار المتمسكين بسبب الله الذى لا ينقطع من تمسك بسببه، جائدين بأنفسهم فى ابتغاء رضاه وطلبه، وخوف سخطه وغضبه. . فلما تراءى الجمعان وتدانى الفريقان، ماجت الصفوف، وسالت الزحوف، ولمعت السيوف، ووكفت (سالت) الحتوف، وتزلزلت الأقدام، وصال الحمام، واغبّر القتام (الغبار) وتداعت الأبطال، وتدانت الآجال، واكتأبت الرجال، وانقطعت الآمال. . وشخصت الأبصار، والتحمت الشّفار (السيوف) وطلبت الأوتار، وأعوز الفرار. . وطفقت سيوف الحق تلتهمهم، وأيدى المؤمنين تقتسمهم، فتركوهم بين ضريج بدمه، وهاو ليديه وفمه، وشارد لم ينجه سعى قدمه، ونادم لم ينتفع بندمه. . . ومعفور نطيح، ومطعون جريح، قد عادوا فرصة لكل واثب، وأكلة لكل ناهب، مصرّعين
(١) انظر الرسالة فى كتاب «الصليحيون والحركة الفاطمية فى اليمن» للدكتور حسين الهمذانى ص ٣٠٨.