العثمانية) بالقاهرة الزاهرة المنيفة». وإذا تساءلنا ماذا قرأنا فى الرسالة حتى الآن لاحظنا توّا أننا لم نقرأ إلا سلاما وتحية ودعاء وثناء. وهذه المعانى البسيطة تتحول إلى ما يشبه خيطا تنشر عليه عبارات منمقة تستمد من مبالغات مفرطة، صيغت فى أسجاع تحفّ بها استعارات تلمع، ولكنها سرعان ما تتلاشى دون أن تترك وراءها مضمونا واضحا، على شاكلة ما نقرأ للشيخ حنيف الدين المكى من رسالة كتب بها إلى صديق له فى الطائف ردا على رسالة كان بعث بها إليه، وهو يمضى فيها على هذا النحو (١):
«ما روضة غنّاء تدفقت أنهارها، وما حديقة حسناء تصادحت أطيارها، وما دوحة أمال أغصانها النسيم، وما سرحة (شجرة) غرّدت بأفنانها الطير فأسجعت بصوتها الرخيم، وما هيفاء قد برزت متلثّمة بالجمال، وطلعت بأفق الحسن كالهلال، وما الخزامى والمندل (العود) الرطب، وما العنبر والعبير إذا فاح وشب (سطع). وما الدر المكنون فى الصّدف، وما ساعات السرور المعدومة من الصّدف، بأجل من كتاب ورد فبرّد بوروده غليل مشتاق، وأخجل بورده وعوده روائح النرجس الغضّ وما ينثر فى الأطباق، قد نظمت قلائد عقيانه أنامل مولى تسنّم ذروة المجد، وأبرزته أفكار مخدوم حاز من الفضائل ما فاق به السعد، تختال فى رياضه النضرة فرسان البلاغة فلا تلحق جواده، وترشف حياضه العذبة أرباب الفصاحة والبراعة مقتفية آثاره كى لا تضل جادّة الإصابة والإجادة، قد هبّ من خلال سطوره نسيمه الرطب فأشفى العليل، وجرى من بحر منثوره شهده العذب، فبرّد اللوعة وأطفأ الغليل»
وهذه القطعه من الرسالة تحمل مبالغات مكررة واضحة، وكأن ليس الغرض أن تؤدى الرسالة طائفة من المعانى، إنما هى تؤدى طائفة من الألفاظ والأساليب المنمقة المسجوعة المليئة بالتكرار وبيان القدرة على جلب العبارات المحشوة بضروب الاستعارات والمجازات وألوان الجناس. وحاول الشيخ أن يظهر تفننه فى صنع العبارة المسجوعة، فأطالها فى آخر هذه القطعة، ولكن بعد أن جعلها تتوازن داخليا، فكلمة «فرسان البلاغة» فى عبارة يقابلها «أرباب الفصاحة والبراعة» فى العبارة التالية، وكذلك كلمة «نسيمه الرطب» فى عبارة يتلوها فى العبارة التالية «شهده العذب» وليس وراء ذلك كله إلا التكلف الشديد.
وإذا تركنا الحجاز إلى اليمن استقبلتنا فيه رسالة استعطاف بديعة للحسين بن على بن القمّ وجّه بها إلى السلطان سبأ بن أحمد الصّليحى (٤٨٦ - ٤٩١ هـ) يستعطفه،