مر بنا ذكره بين شعراء الزهد والتصوف والمدائح النبوية يتحول بكتابه «سلوان المطاع فى عدوان الأتباع» واعظا، وعادة يذكر المعنى ثم يتلوه بموعظة مسجوعة، تعقبها أحيانا أبيات حكمية.
والمعنى الذى يلم به «سلوانة» أو سلوة ومن هنا جاء اسم الكتاب. وكثيرا ما تجرى سلواناته فى شكل حكم، كقوله فى سلوانة التأسى: «التأسّى جنّة البلاء، وسنّة النّبلاء.
التأسّى درج الاصطبار، كما أن الجزع درك التّبار (الهلاك). ومن قوله فى سلوانة الرّضا:
من رضى، حظى. من ترك الاقتراح، أفلح واستراح. كن بالرّضا عاملا قبل أن تكون له معمولا، وسر إليه عادلا وإلا صرت نحوه معدولا». والكتاب يفيض بالحكم الواعظة من مثل قوله: «ما أحرى الملول، بأن يحرم المأمول. من لزم الرّقاد، حرم المراد. التنعم فى الدنيا يضاعف حسرة زيالها (مفارقتها) ويؤكّد غصّة اغتيالها. الهوى طاغية فمن ملكه، أهلكه. الهوى كالنار إذا استحكم اتّقادها عسر إخمادها. الغريب ميت الأحياء قد أعاده البين، أثرا بعد عين».
ونتحول من الحجاز إلى اليمن، وتلقانا فيها المواعظ فى كل مكان وزمان ونجدها فى الرسائل وفى الوصايا على شاكلة ما نقرأ فى وصية الملكة الحرة الصليحية أروى بنت أحمد، وهى لا شك من عمل بعض الوعاظ، وقد جاء فى فواتحها (١):
«لا إله إلا الله تعالى مبدع المبدعات، وخالق المخلوقات، جلّ وعلا أن تناله صفة، أو تدركه معرفة، الخلائق فى قبضته، والأشياء صادرة عن أمره وإرادته، لا معقب لحكمه، ولا رادّ لأمره، إنه العدل الذى لا يجور، والحكم الذى لا يحيف، والصادق الذى لا يخلف، والعفو الذى لا يؤاخذ، خالق السموات والأرضين، وإله الأولين والآخرين، ذو الأسماء الحسنى، والكلمات التامّة صدقا وعدلا. له ملائكة انتخبهم من بريته، وانتخبهم للسفارة بينه وبين المصطفين من أمته {(يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ)} و (لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعلمون يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون). وإن الجنة حق، خلقها الله للمطيعين من بريته، الخائفين من سطوته، المؤمنين به، المصدقين لوعده، الموفين بعهده، المتبعين لرسله، العاملين بمقتضى آياته وكتبه. وإن النار حق أعدها الله لمن جحد أنبياءه، وخالف أولياءه. . وتمادى فى غيّه وأسرف فى أمره، وأصرّ على كفره».
وهذه الموعظة فى مطلع الوصية كان وراءها مواعظ كثيرة، لا فى بيئة الدولة الصليحية