الجيل ركن الدولة، وضربت ألقابهم على السكّة، وذكرت أسماؤهم وألقابهم مع الخليفة فى خطبة الجمعة. ومن حينئذ بالغ البويهيون فى الألقاب الفخمة يضفونها على أنفسهم وعلى وزرائهم. . ولم يكد الشهر التالى لدخول معز الدولة بغداد يتقدم حتى خلع المستكفى وسملت عيناه، وولى الخلافة بعده ابن عمه المطيع لله، ولم يكن له ولا لمن تلاه من الخلفاء العباسيين فى عهد البويهيين حول ولا طول ولا سلطان إلا ما كان من ذكر أسمائهم فى خطبة الجمعة وعلى السّكّة المضروبة. وكأنما أصبحوا مجرد صنائع فى أيدى البويهيين يسبغون عليهم الرواتب بالمقدار الذى يريدون.
وظل معز الدولة يلى شئون بغداد والعراق والأهواز وكرمان إلى أن توفى سنة ٣٥٦ وخلفه ابنه عز الدولة بختيار، وكان شديد البأس شجاعا يمسك الثور العظيم بقرنيه فلا يتحرك، وتزوج الخليفة الطائع ابنته شاه زمان فى سنة ٣٦٤ على صداق قدره مائة ألف دينار. وكانت ولاية فارس قد صارت إلى ابن عمه عضد الدولة ابن ركن الدولة منذ وفاة عمه عماد الدولة سنة ٣٣٨ للهجرة إذ لم يترك ولدا. فآلت ولايته إلى أخيه ركن الدولة، فمنحها ابنه عضد الدولة. وتوفّى ركن الدولة سنة ٣٦٥ وجعل لعضد الدولة أقاليم فارس وكرمان وأرّجان وشيراز، ولأخيه مؤيد الدولة الرىّ وأصفهان، ولأخيهما فخر الدولة همذان والدّينور، وجعل لعضد الدولة الرياسة على أخويه، ولم تلبث الأمور أن ساءت بينه وبين بختيار ابن عمه معز الدولة، فاشتبكا فى حروب، قتل فيها بختيار فى شوال سنة ٣٦٧. وبذلك دخلت بغداد وما تبعها من العراق فى حوزة عضد الدولة منذ هذا التاريخ.
وعضد الدولة هو أعظم ملوك بنى بويه، إذ بلغ سلطانه من سعة الملك ما لم يبلغه أحد من أسرته وهو أول من خطب له-فيما يقال-على منابر بغداد بعد الخلفاء وأول من لقّب بشاهنشاه (ملك الملوك) فى الإسلام وأصبح البويهيون بعده يلقّبون بهذا اللقب، وكانت فيه قسوة شديدة، ومما يصور ذلك رميه بابن بقية الوزير تحت أرجل الفيلة حين سلّمه إليه بختيار لأمور ساءته، فقتلته بأرجلها شر قتلة. وقد قضى على لصوص الطرق قضاء مبرما وأعاد الأمن إلى نصابه فى صحراء كرمان وصحراء جزيرة العرب، ورفع عن قوافل الحجاج الجباية واحتفر لهم الآبار فى سبلهم إلى مكة وأدار على مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم سورا حصينا، وأمر بعمارة منازل بغداد وأسواقها وابتدأ بعمارة المساجد، وألزم أصحاب العقارات تشييد بيوتهم وأقرض من قصرت يداه من بيت المال وخاصة من كانت بيوتهم تقع على شاطئ دجلة، وعنى بالبساتين فامتلأت خرابات بغداد بالزهر والخضرة، وجلب