إلى بغداد الغروس فى سائر البلاد، وعنى بجداولها وجسورها، وأنشأ سوقا للبزّازين. وبنى مارستانا كبيرا ببغداد، وأجرى الرواتب على العلماء من كل صنف، وكان عادلا سيوسا يحسن اختيار ولاته وعماله، وكانت جراياته متصلة على الفقراء والمساكين.
غير أن مدة حكمه لبغداد والعراق لم تطل، فقد توفى سنة ٣٧٢، وكأنهما لم تنعما بحكمه إلا خمس سنوات متصلة. وكان قد قسم مملكته بين أبنائه الثلاثة: شرف الدولة وصمصام الدولة وبهاء الدولة، وهو تقسيم أثبتت الأيام دائما أنه نذير بضياع الدولة واختلال شئونها. وتولى شئون بغداد والعراق صمصام الدولة يعاونه وزيره أبو عبد الله بن سعدان صاحب أبى حيان، ولم ينجح أمر صمصام الدولة وغلب عليه أخوه شرف الدولة سنة ٣٧٦ وقهره وحبسه وأخذ بغداد منه، ويتوفّى شرف الدولة سنة ٣٧٩ بعد أن عهد بالملك لأخيه بهاء الدولة وضياء الملة الذى ظل حاكما لبغداد والعراق حتى وفاته سنة ٤٠٣ وكان-كما يقول المؤرخون-ظالما غشوما سفاكا للدماء، وقد قبض على الخليفة الطائع سنة ٣٨١ وخلعه من الخلافة، وولاها القادر بالله، ولم يكن فى ملوك بنى بويه أظلم منه ولا أقبح سيرة، ويقال إنه جمع من المال ما لم يجمعه أحد. وتوزعت الدولة بعده بين أبنائه الأربعة: مشرّف الدولة وقوام الدولة وجلال الدولة وأبى شجاع سلطان الدولة وهو الذى ولى بغداد بعد أبيه بعهد منه، وظل يلى شئون ولايته حتى سنة ٤١٢ حين عظم أمر أخيه مشرف الدولة وعلت كفّته، فخطب له ببغداد فى المحرّم وخوطب بشاهنشاه.
ويدور العام، فيتم الصلح بين الأخوين، ويعود ذكر سلطان الدولة إلى الخطبة، ويتوفى سلطان الدولة فى سنة ٤١٥ ولا يلبث أخوه مشرف الدولة أن يتوفى بعده فى سنة ٤١٦ وتصبح بغداد خالصة هى والعراق لأخيهما جلال الدولة، ويستوزر أبا سعيد بن ماكولا، ويلقبه علم الدين سعد الدولة أمين الملة شرف الملك، مما يصور مدى تغالى البويهيين فى الألقاب، ويطول حكم جلال الدولة حتى وفاته سنة ٤٣٥ ويختل الحكم فى أيامه ويختل السلطان حتى يبلغ من ذلك أن يستولى العيّارون واللصوص على بغداد سنة ٤٢٦ ويفعلون بها أفعالا قبيحة، واختلّت الشئون المالية، وبلغ من سوء اختلالها أن باع جلال الدولة ثيابه وماعون بيته وآلاته فى الأسواق، وخلت داره-كما يقول ابن الجوزى-من الحجّاب والفراشين والبوابين. وخلفه أبو كاليجار بن سلطان الدولة حاكم فارس والأهواز، وكان شجاعا فاتكا مشغولا باللهو، وفى عهده أخذ المدّ السلجوقى يزداد حتى شمل أكثر إيران، مما جعله يموت غمّا سنة ٤٤٠ ويخلفه ابنه أبو نصر الملقب بالملك الرحيم، وبلغ من ضعفه أن جرّده أحد قواده الأتراك، ويسمى البساسيرى، من سلطانه