للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المدن. وأخرج البساسيرى الخليفة من بغداد إلى عانة من مدن الجزيرة، ولكن طغرل لم يلبث أن عاد إلى بغداد وأعاد إليها الخليفة وقضى على هذه الفتنة قضاء مبرما، مما جعل الخليفة يلقبه بلقب ملك الشرق والغرب.

وطغرل هو أول ملوك الدولة السّلجوقية العظام، وكان شجاعا مقداما كريما حليما حازما حريصا على أداء واجباته الدينية، وتوفّى بمدينة الرّىّ سنة ٤٥٥ فخلفه ابن أخيه ألب أرسلان بن جغرى بك، كان اسمه بالعربية محمدا، ولقّب بالملك العادل، ويقال إنه أول من لقب بالسلطان من بنى سلجوق، وذكر على منابر بغداد، وكان شجاعا مطاعا، وهو أعدل بنى سلجوق فى الرعية، وقد وسع حدود مملكته من الصين شرقا إلى الشام غربا، وقد استولى على ما بيد الفاطميين من البلاد حتى دمشق، وقاد حملات مظفرة ضد دولة الروم الشرقية وأسر إمبراطورها «رومانوس ديوجين» سنة ٤٦٢ فى موقعة دمّر فيها الجيش الرومى تدميرا. ويقال إن جيشه لم يكن يزيد على خمسة عشر ألف محارب بينما كان الجيش الرومى فى تلك الموقعة يتألف من مائتى ألف رجل من يونان وأرمن وقوقاز وروس وغيرهم. وفدى الإمبراطور نفسه بمليون دينار، وعقد معه ألب أرسلان معاهدة لمدة خمسين سنة، على أن تلبيه جنود الروم إذا طلبها، وأن تردّ إلى أسرى المسلمين حرياتهم.

وكان مدبّر مملكته وزيره نظام الملك، وكان حصيفا وافر العقل، وسياسيا حكيما بصيرا بتدبير الأمور، محبا للعلم، وقد بعث فى دولته نهضة علمية أسس لها مدارسه المعروفة باسم المدارس النظامية، أقامها فى كثير من البلدان، وعنى خاصة بمدرسته النظامية ببغداد واستقدم لها العلماء من نيسابور وغيرها وفى مقدمتهم أبو إسحق الشيرازى والغزالى وغيرهما من كبار العلماء. وخلف ألب أرسلان حين توفى سنة ٤٦٥ ملكشاه ابنه، وكان شابا فى الثامنة عشرة من عمره، فأحكم له نظام الملك شئون دولته وفرّق البلاد على أولاده، وجعل مرجعهم إلى ملكشاه. وكان مظفرا، استولت جيوشه على كثير من البلاد، حتى قيل إنه ملك من الأقاليم ما لم يملكه أحد من السلاطين، فكانت مملكته تشتمل على جميع بلاد ماوراء النهر وإيران والعراق وبلاد الروم والجزيرة والشام، وكان ملكه يمتدّ من مدينة كاشغر-وهى أقصى مدينة للترك-إلى بيت المقدس طولا-كما يقول ابن تغرى بردى- ومن بحر قزوين والقسطنطينية إلى بحر الهند عرضا.

وكان من أحسن الملوك سيرة، وبالمثل كان وزيره نظام الملك، ويروى أنه لما تسلطن خرج عليه عمه «قاورد بك» صاحب كرمان، فحاربه وأخذه أسيرا فلما مثل بين يديه قال له: أمراؤك كاتبونى وأبرز له مكاتبات، فأخذها ملكشاه وأعطاها إلى وزيره نظام

<<  <  ج: ص:  >  >>