الملك، فتناولها منه وألقاها فى موقد نار كان بين يدى ملكشاه فاحترقت. فسكنت قلوب الأمراء وبذلوا الطاعة، وثبت ملكه بهذا الصنيع الجميل لنظام الملك. وكان ملكشاه مولعا بالعمائر، فعمّر الأسوار والقناطر وحفر الأنهار، وأبطل المكوس فى جميع بلاده، وأقام مصانع الماء بطريق مكة وأنفق عليها أموالا طائلة، وهو الذى عمّر جامع السلطان ببغداد سنة ٤٨٥ وكانت الطرق فى أيامه آمنة، تسير القوافل من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب فى مملكته وليس معها خفير.
وتزوج الخليفة المقتدى بابنته سنة ٤٨٠. ويقول ابن خلكان: كان اليمن والبركة مقرونين بناصيته، وكان إذا دخل بغداد أو أصبهان أو أى بلد من البلاد دخل مع عدد لا يحصى لكثرته، فيرخص السعر وتنحط أثمان الأشياء عما كانت عليه قبله. ويتكسب المتعيشون مع عسكره الكسب الكثير. وكان ينفق الأموال الكثيرة على المدارس والرباطات. وتوفى ببغداد فى شوال سنة ٤٨٥ وحمل تابوته إلى أصبهان ودفن فى مدرسة موقوفة على الشافعية والحنفية. وبه ينتهى عهد السلاجقة العظام، وخلفه ابنه بركياروق، وكان أخوه السلطان سنجر نائبه على خراسان، ودخل فى حروب مع أخيه محمد صاحب أذربيجان، وكانت كفته دائما الراجحة، وحاربه عمه تتش صاحب دمشق، وقتل فى بعض المعارك، ودوّخ الإسماعيلية الباطنية فى إيران، وقتل منهم كثيرين، وكان عالى الهمة إلا أنه كان مولعا بالشراب والإدمان عليه وتوفى سنة ٤٩٨. وخلفه أخوه محمد، وله وقائع مع الإسماعيلية وانتصارات متوالية استولى فيها على بعض حصونهم، ويقول ابن خلكان:
«له الآثار الجميلة والسيرة الحسنة والمعدلة الشاملة والبر بالفقراء والأيتام والحرب للطائفة الملحدة (يريد الإسماعيلية) والنظر فى أمور الرعية». وتوفى سنة ٥١١. وقام بالملك بعده ابنه محمود وهو يومئذ فى سن الحلم، وكان قوى المعرفة بالعربية حافظا للأشعار والأمثال عارفا بالتواريخ والسّير شديد الميل إلى أهل العلم والخير، وهو ممدوح حيص بيص الشاعر المشهور، ويقول ابن خلكان إن السلطنة ضعفت فى أواخر أيامه وقلت أموالها حتى عجزوا عن إقامة وظيفة الفقّاعى أو الشّرابى، فدفعوا له يوما بعض صناديق الخزانة حتى باعها وصرف ثمنها فى حاجته.
وتوفى سنة ٥٢٥ بعد أن عهد لابنه داود وهو صغير فى المهد، ولما كان لا يصلح لصغره تولى السلطنة عمه طغرل، وتوفى سنة ٥٢٧ فصارت إلى أخيه مسعود. وكان قد سلمه أبوه إلى أتابكة الموصل: مودود ثم آق سنقر ثم جوش بك، وكان شجاعا، غير أنه أقبل على