للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاشتغال باللذات، وطالت أيامه حتى سنة ٥٤٧ وقتل من الأمراء خلقا كثرا، وممن قتلهم الخليفتان لعهده المسترشد بالله والراشد. وفى هذا ما يدل على أن السلاحقة استهانوا بخلفاء بنى العباس ولم يدعوا لهم حولا ولا طولا، إذ استخلصوا منهم كل شئ حتى حق الحياة.

ويقول ابن خلكان لم تقم للسلاجقة بعد مسعود راية، وكأنه يختم دولتهم فى العراق، أو قل كأن قتله للخليفتين المسترشد والراشد كان إيذانا بانتهاء الدولة السلجوقية، وأقيم بعده فى الملك ابن أخيه ملكشاه بن محمود، ولم يلبث أن توفى بعد خمسة أشهر من حكمه.

ولابد أن نلاحظ أنه منذ انتهاء عهد السلاجقة العظام بموت ملكشاه سنة ٤٨٥ أخذ البيت السلجوقى يضعف لصغر السلاطين الذين كانوا يعتلون العرش وهم أحداث. وابتدع السلاجقة نظام الأتابكة، وهم قواد يتولون تربية أبنائهم، وكانوا يجعلونهم معهم حين يولونهم بعض الإمارات فيصبحون هم الحكام الحقيقيين، وليس ذلك فحسب، فكثيرا ما تنافسوا فيما بينهم، فكان كل منهم يريد أن يفوز لأميره الذى فى رعايته بالسلطنة، وبذلك حمل الإخوة وأبناء الأعمام السيوف وشهرها بعضهم فى وجوه بعض، مما جعل عهود بركياروق ومحمد وابنه محمود ومسعود حروبا متصلة، وبذلك ضعفت الدولة أو أخذت فى الضعف سريعا.

وكانت تمنح لبعض هؤلاء الأتابكة بلدان وإقطاعات تقطعها الدولة لهم، حتى يساعدوها بما تحتاج إليه من مال وجند. وانتهز بعض هؤلاء الأتابكة الفرصة فاستقلوا ببلدانهم وجعلوها وراثية فى أسرهم. نذكر منهم الأرتقيين أو الدولة الأرتقية فى ديار بكر والجزيرة وبلدانها ميّافارقين وآمد وحصن كيفا وحرّان وماردين، كما نذكر منهم بنى زنكى فى الموصل ولهم الفضل الأكبر فى القضاء على الصليبيين فإن «زنكى» الملقب بعماد الدين هو الذى افتتح سلسلة دحرهم وطردهم من ديارنا باستيلائه على «الرّها» من جوسلين الصليبى، وبذلك سقطت أولى ممالكهم، وتبعه ابنه نور الدين يمحقهم محقا فى الشام، وحين علا نجم صلاح الدين وتبعته الشام ترك للأسرة الموصل وبلدانها سنجار وغيرها.

على كل حال كان طبيعيا أن تهبط الدولة السلجوقية بعد صعود ويأفل نجمها، وقد حاول محمد شاه بن محمود السلجوقى فى سنة ٥٥٢ الاستيلاء على بغداد غير أنه أرغم على فك الحصار، أرغمه الخليفة المقتفى وجنوده، ولم يستطع السلاجقة بعد ذلك العودة إلى بغداد، بل انحازوا إلى همذان حيث توالى فيها سلاطينهم إلى حين. وعاد إلى بغداد وما يتبعها من البلدان جنوبى الموصل استقلالها، وردّت إلى الخلفاء حرياتهم وسلطانهم

<<  <  ج: ص:  >  >>