للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما يقدم للطلاب من الحبر والورق والأقلام (١). وعاد إلى هذه المدرسة، أو قل الجامعة، نشاطها بعذ الغزو التتارى، وقد وصفها ابن بطوطة لما زارها سنة ٧٢٧ بقوله: «بها المذاهب الأربعة-يقصد مذاهب المالكية والحنفية والشافعية والحنبلية-ولكل مذهب إيوان فيه المسجد وموضع التدريس وجلوس المدرس فى قبة خشب صغيرة على كرسى عليه البسط، ويقعد المدرس وعليه السكينة والوقار، لابسا ثياب السواد، معتمّا، وعلى يمينه ويساره معيدان يعيدان كل ما يمليه. وهكذا ترتيب كل مجلس من هذه المجالس الأربعة، وفى داخل هذه المدرسة الحمّام للطلبة ودار الوضوء (٢).

ويبدو أن ما شاع من أن الحركة العلمية فى بغداد خمدت خمودا تاما بعد الغزو التتارى غير صحيح، يمكن أن يصدق ذلك على العهد التتارى الوثنى أما منذ دخول غازان والتتار فى الإسلام فيبدو أن بغداد استعادت نشاطها العلمى، وإن لم يبلغ مبلغه أيام ازدهارها فى العصر العباسى والمعروف أن هولاكو دمّر كثيرا من مدارسها وقد أعيد بناء بعض هذه المدارس، وعنى غازان-كما أشرنا-وخلفاؤه الإيلخانيون بها.

ولا شك فى أنه ران على الحركة العلمية غير قليل من الظلام فى العهدين التركمانى والعثمانى، غير أن النشاط أخذ يدبّ فيها أواخر الحقبة العثمانية منذ ولى العراق مدحت باشا فإنه أسس بها مطبعة كان لها أثر بعيد فى نهضة العراق وأسس بها أيضا مدارس نظرية وفنية.

ولابد أن نلاحظ أن مساجد بغداد الكبرى ظل لها نشاطها العلمى بعد الغزو التتارى، وكان من أهمها لعهد ابن بطوطة جامع الخليفة المتصل بقصور الخلفاء، ويقول إنه سمع فيه على مسند العراق-سراج الدين أبى حفص عمر القزوينى-جميع مسند الدرامى (٣). وكانت الدراسة فى مساجد بغداد ومدارسها بالمجان، بل كان الطلاب فى المدارس خاصة يأخذون رواتب كما مر بنا. وربما كانت المساجد أهم من المدارس فى نشر العلم، فقد كانت أبوابها مفتوحة دائما لكل قاصد، وكان الناس من مختلف المهن والصناعات والحرف يختلفون إلى حلقات الشيوخ فيها ينهلون ما شاء لهم أن ينهلوا، مما جعل العلم بحق شعبيا لجميع أفراد الشعب، يصيبون منه ما يوافق أمزجتهم وميولهم. وكثيرا ما كان يحدث أن يشعر صاحب مهنة أو تجارة بقصوره فى علم من العلوم، فإذا هو يترك مهنته أو تجارته ويتفرغ للعلم الذى يريده حتى يصبح من أقطابه، وتلقانا من ذلك أخبار كثيرة فى ابن خلكان وغيره.


(١) انظر تاريخ علماء المستنصرية لناجى معروف ١/ ٥٧، ٧١ - ٨٢ وفى مواضع متفرقة.
(٢) ابن بطوطة ١/ ١٤١.
(٣) ابن بطوطة ١/ ١٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>