للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آخر، ومرت بنا آنفا كلمة فيروز الطبيب ووصفه لما على كلامه من الطلاوة والحسن، وقد نقل أبو حيان بعض المقابسات البديعة عن صوان الحكمة دون أن يخرم حرفا من كلام أبى سليمان! (١). على أن بين المقابسات مقابسات لبعض المتفلسفة من ندوة أبى سليمان مثل عيسى بن على بن عيسى وأبى الحسن العامرى وغيرهما.

ومنتدى ثان ببغداد لم يكن عاما مثل المنتدى السابق، فقد كان خاصا بوزير من وزراء الدولة البويهية وكان يعقده ليلا بداره، هو ابن سعدان الذى وزر لصمصام الدولة فى سنة ٣٧٣ ولم يكد يدور عامان حتى قتله سنة ٣٧٥. وكانتا سنتين غنيتين بالفكر والفلسفة والأدب، إذ كان يختلف إلى ندوته صفوة من المتفلسفة المفكرين مثل ابن زرعة النصرانى المتفلسف ومسكويه صاحب تهذيب الأخلاق وأبى الوفاء الرياضى الفلكى المهندس وبهرام بن أردشير المجوسى وابن عبيد وأبى بكر القومسى الكاتبين وابن الحجاج الشاعر وزيد بن رفاعة أحد إخوان الصفا وقرمطى يسمى ابن شاهويه (٢). وكان ابن سعدان يباهى برفاقه ويفخر بهم على رفاق غيره من الوزراء قائلا: «والله ما لهذه الجماعة بالعراق شكل ولا نظير، وإنهم لأعيان أهل الفضل وسادة ذوى العقل (٣). وكان أبو الوفاء قريبا من ابن سعدان فوصله بأبى حيان التوحيدى، ليعرض عليه ثمار الفكر والفلسفة فى عصره، واستقبله ابن سعدان استقبالا حسنا، وأخذ يلقى عليه فى ليال متصلة أسئلة فى مختلف فروع الفكر واللغة والأدب، ويتلقى من أبى حيان إجاباته، ويتشقق الحوار والحديث فى مسائل فلسفية وإلهية وطبيعية وأخلاقية ونفسية وروحية وسياسية وأدبية ولغوية. وقد يحكى له مناظرة طويلة كمناظرة السيرافى ومتى بن يونس فى النحو والمنطق وقد مرت بنا فى كتاب العصر العباسى الثانى، ويروى له أحيانا أخبار بعض المتصوفة، ويذكر له بعض جوانب الحياة فى بغداد. وبحق يقول القفطى عن الكتاب إنه «كتاب ممتع على الحقيقة لمن له مشاركة فى فنون العلم فإنه خاض كل بحر وغاص فى كل لجّة» (٤).

ولم يرو أبو حيان فى الكتاب الذى يقع فى ثلاث مجلدات كل الليالى التى قضاها محاورا مناقشا فى منتدى ابن سعدان، فقد اقتصر منها على سبع وثلاثين ليلة وزع عليها الكتاب وقد ألفه لأبى الوفاء المهندس، ذكرى عزيزة لابن سعدان. وربما صنفه لأبى الوفاء فى


(١) قارن المقايسة السابعة والثلاثين بصوان الحكمة ص ٣٣٣ وما بعدها.
(٢) انظر فى هؤلاء الجلساء الصداقة والصديق لأبى حيان (طبع القاهرة) ص ٧٧ والإمتاع والمؤانسة ٢/ ٣ وراجع النجوم الزاهرة ٤/ ١٢٥.
(٣) الصداقة والصديق ص ٨٣.
(٤) القفطى ص ٢٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>