للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والهندسة. وهو يعدّ بحق من علماء الطبيعة العالميين، يشهد له بذلك كتابه «المناظير» فى البصريات وانعكاس الضوء والعدسات فقد ترك تأثيرا عميقا فى كل من روجر بيكون ووايتلو عن طريق ترجمته قديما إلى اللاتينية، واتسع تأثيره فى كثيرين من علماء الغرب كما يحدثنا بذلك ألدومييلى. وسمع الخليفة الحاكم الفاطمى بذكائه وقدرته الهندسية وشاع عنه أنه يقول لو نزل مصر لوضع مشروعا ينظم المياه فى النيل، واستقدمه الحاكم، غير أنه رأى صعوبة تطبيق مشروعه. ويقول ابن أبى أصيبعة: إنه لخص كثيرا من كتب أرسططاليس وشرحها وكثيرا من كتب جالينوس فى الطب. وحين نزل مصر أقام بقبة على باب الجامع الأزهر. وكان يقتات من نسخه سنويّا أقليدس والمجسطىّ، ويضيف إليهما القفطى كتابا ثالثا، ويقول إنه كان يبيعها جميعا بمائة وخمسين دينارا مصريا، وصار ذلك كالرسم المعتاد له.

وكان الطب والعلوم الطبية بالمثل ناهضين، وساعد على ذلك منذ العصر العباسى إنشاء البيمارستانات فى بغداد، ومن البيمارستانات المهمة التى أنشئت فى القرن الرابع الهجرى البيمارستان العضدى نسبة إلى عضد الدولة، أنشأه فى الجانب الغربى لبغداد وأنفق عليه أموالا عظيمة، ويقول ابن خلكان: «ليس فى الدنيا مثل ترتيبه وبه من الآلات ما يقصر الشرح عن وصفه» ولما فرغ من بنائه سنة ٣٦٨ عيّن به أربعة وعشرين طبيبا رتّبهم فيه لمعالجة المرضى، منهم نظيف القس الرومى وأبو الحسن بن كشكرايا وأبو الخير الجرائحى وأبو يعقوب الأهوازى وابن مندويه» (١).

وهذه النهضة العلمية الفلسفية فى القرن الرابع اطردت فى القرنين التاليين إذ يلقانا بهما متفلسفة ورياضيون وفلكيون وطبيعيون وأطباء مختلفون فى كتابى القفطى وابن أبى أصيبعة، نذكر منهم أبا الفرج عبد الله (٢) بن الطيب المتوفى سنة ٤٣٥ وفيه يقول القفطى «فيلسوف فاضل. . اعتنى بشرح الكتب القديمة فى المنطق وأنواع الحكمة من تأليف أرسططاليس وبشرح كتب جالينوس فى الطب، ويقال إنه بقى عشرين سنة فى تفسير ما بعد الطبيعة. وأهم تلاميذه ابن بطلان (٣) النصرانى المتوفى بعد سنة ٤٥٥ وكان حاذقا فى الطب واشتهر برحلته إلى القاهرة حيث لقى الفيلسوف المصرى ابن رضوان، ونشبت بينهما مناظرات حادة، وأشهر مؤلفاته كتاب تقويم الصحة، ولا يوجد منه إلا


(١) انظر القفطى ص ٣٣٧، ٤٠٣، ٤٠٧، ٤٣٦، ٤٣٨. وراجع ابن خلكان ٤/ ٥٤.
(٢) القفطى ص ٢٢٣.
(٣) القفطى ص ٢٩٤ وابن أبى أصيبعة ص ٣٢٥ وألدومييلى ص ٢٤١، ٢٥٣ ودائرة المعارف الإسلامية.

<<  <  ج: ص:  >  >>