للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والصلة بين المعتزلة والشيعة الإمامية قديمة ومعروفة، وتتردد فى التفسير أسماء بعض أعلامهم مثل أبى على الجبّائى وعلى بن عيسى الرمّانى والقاضى عبد الجبار. واتجه نفس الوجهة أخوه الشريف المرتضى (١) فى كتابه «الأمالى» إذ نراه فيه يقف إزاء الآيات التى قد يفيد ظاهرها التشبيه على الذات العلية أو الجبر ليؤولها على طريقة المعتزلة، وفى الوقت نفسه لا يروى فيها نقولا عن الأئمة. وبذلك يعدّان للتفسير بالرأى والعقل فى بيئة الإمامية، واستضاء بعملهما فى هذا الاتجاه الطوسى (٢) أبو جعفر محمد بن الحسن تلميذ الشريف المرتضى، وقد توفى سنة ٤٦٠ واشتهر بتفسير للذكر الحكيم سماه «التبيان فى تفسير القرآن» وهو مطبوع بالنجف فى عشرة أجزاء، وقد عنى فى تفسيره بالتقريب بين تفسيرات الشيعة وتفسيرات أهل السنة. إذ روى فى تفسيره عن الصحابة من أمثال أبى بكر الصديق وعمر، وكذلك عن التابعين دون تعصب مذهبى، ووضع بجانبهم ما نقله عن الأئمة فى عقيدته الإمامية، واتخذ تفسير الطبرى السنى هاديا له فى تفسيره، وكما نقل عن كتب الحديث الشيعية مثل الأمالى لابن بابويه القمى وأمالى ابن النعمان المفيد نقل عن كتب الحديث المشهورة لأهل السنة مثل مسند ابن حنبل وكتب الصحاح الستة. وعلى ضوء دراسات الشريفين المرتضى والرضى عنى بالتفسير العقلى وفسح للتأثر بالمعتزلة فى نفى التشبيه عن الذات العلية. وليس معنى ذلك كله أنه تخلص فى تفسيره من عقيدته الإمامية، بل لقد نصرها فى مواطن كثيرة وخاصة عقيدتهم فى الإمام وأنه معصوم وحجة الله فى أرضه وصاحب علم باطنى متوارث إلى غير ذلك من أصول العقيدة الإمامية، وقد تأثر به الطّبرسى فى تفسيره تأثرا واسعا.

وكانت بغداد دارا قديمة للحديث، وظلت شديدة العناية به وبحفّاظه طوال هذا العصر، وأول من نلقاه من أعلامه البزاز محمد (٣) بن عبد الله المتوفى سنة ٣٥٤ وله كتاب العوالى فى الحديث وهى مجموعة يمتاز سندها بقلة رواته، وكان يعاصره الآجرى (٤) أبو بكر محمد بن الحسين المتوفى سنة ٣٦٠ وله كتاب يضم أربعين حديثا مختارة،


(١) راجع فى الشريف المرتضى تاريخ بغداد ١٢/ ٤٠٢ وتتمة اليتيمة ١/ ٥٣ وابن خلكان ٣/ ٣١٣ ومعجم الأدباء ١٣/ ١٤٦ وإنباه الرواة ٢/ ٢٤٩ وما به من مراجع
(٢) انظر فى الطوسى المنتظم ٨/ ٢٥٢ والنجوم الزاهرة ٥/ ٨٢ ولسان الميزان ٥/ ١٣٥ وروضات الجنات ٥٨٠ ودائرة المعارف الإسلامية.
(٣) انظره فى تذكرة الحفاظ ٣/ ٩٠٦ وطبقات الحفاظ للسيوطى ١٢١. وبروكلمان ٢٠٧٣.
(٤) راجعه فى تذكرة الحفاظ ٣/ ١٣٩ وتاريخ بغداد ٢/ ٢٠٣ والسبكى ٣/ ١٤٩ وابن خلكان ٤/ ٢٩٢ والشذرات ٣/ ٣٥ والمنتظم ٧/ ٥٥ والوافى ٢/ ٣٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>