للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بظاهر القرآن. ومعنى ذلك أن مذهب الاعتزال أخذ يتضاءل خاصة بعد القرن الرابع الهجرى، حقا نسمع من حين إلى حين ببعض المعتزلة مثل الزمخشرى ولكن كثرة الفقهاء والعلماء انضوت تحت راية الأشعرى. ومن كبار الأشعرية فى القرن الرابع أبو بكر الباقلانى (١) محمد بن الطيب البصرى المتوفى سنة ٤٠٣ يقول ابن خلكان: كان على مذهب أبى الحسن الأشعرى ومؤيدا اعتقاده وناصرا طريقته سكن بغداد وتولى بها القضاء وصنف التصانيف الكثيرة المشهورة فى علم الكلام، انتهت إليه الرياسة فى مذهبه، وكان كثير التطويل فى المناظرة والجدل قوى الحجة والبرهنة على آرائه (٢)، ومن مصنفاته فى عقيدته البيان والتمهيد فى الرد على الملحدين وأضرابهم، وهو منشور ومثله كتابه الاستبصار، وخالف الأشعرى فى مسائل، منها ما ذهب إليه الأشعرى من أن الكافر لا تسبغ عليه نعمة، إذ كل ما يتقلب فيه استدراج، وكان أبو حنيفة يذهب إلى أن النعمة تسبغ عليه ووافقه الباقلانى (٣). وكان الأشعرى كما مر بنا آنفا ينفى الاختيار عن أعمال الإنسان ويجعله كسبا، بينما كان الماتريدى يجعله اختيارا، ويفهم من كلام الباقلانى أنه يأخذ برأى الماتريدى أو يتقدم نحوه خطوة، ويقول السبكى: «ولإمام الحرمين والغزالى فى ذلك مذهب يزيد على مذهب الباقلانى والأشعرى ويدنو كل الدنو من الاعتزال» أو بعبارة أدق من رأى الماتريدى (٤). وعلى ضوء ما ذهب إليه أبو الحسن الأشعرى من أنه لابد من اقتران الأدلة العقلية بالأدلة السمعية من الكتاب والسنة كان الباقلانى ينكر على بعض الفقهاء الشافعية من الأشعرية قولهم بأنه: «يجب شكر المنعم عقلا» (٥) إذ كان ينبغى أن يقولوا: يجب شكر المنعم عقلا وشرعا. ويكثر علماء العقيدة الأشعرية فى القرن الخامس وما بعده، ويكفى أن نعد منهم أبا حامد الإسفراينى وإمام الحرمين الجوينى والقشيرى والغزالى، وعدّ منهم السبكى فى ترجمته للأشعرى خمس طبقات، وكل طبقة تكتظ بأئمة العقيدة وأعلامها فى الوطن الإسلامى (٦). وألف أهل السنة من الحنابلة كتبا كثيرة فى


(١) راجع فى ترجمة الباقلانى تاريخ بغداد ٥/ ٣٧٩ وابن خلكان ٤/ ٢٦٩ والأنساب للسمعانى ٦١ وتبيين كذب المفترى لابن عساكر ٢١٧ والمنتظم ٧/ ٢٦٥ والوافى ٣/ ١٧٧ والديباج المذهب لابن فرحون ٢٦٧ والشذرات ٣/ ١٦٨ وترجمة القاضى عياض له الملحقة بكتابه «التمهيد فى الرد على الملحدة المعطلة والرافضة والخوارج والمعتزلة» تحقيق الدكتور أبو ريدة (نشر دار الفكر العربى بالقاهرة)
(٢) مما كان يذهب إليه الباقلانى إثبات الجوهر الفرد والخلاء وأن العرض لا يقوم بالعرض (مقدمة ابن خلدون: فصل علم الكلام) وانظر فى بقية آراء الباقلانى الملل والنحل للشهرستانى: الفصل الخاص بالأشعرية.
(٣) السبكى ٣/ ٣٨٤.
(٤) السبكى ٣/ ٣٨٦ وانظر الملل والنحل للشهرستانى (تحقيق محمد سيد كيلانى نشر مكتبة مصطفى الحلبى) ١/ ٩٧
(٥) السبكى ٣/ ٢٠٢
(٦) السبكى ٣/ ٣٦٨ وما بعدها

<<  <  ج: ص:  >  >>