للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسمى بالمزدوج، إذ استخدمه الوليد بن يزيد وأخذ استخدامه بعده يتّسع فى الشعر التعليمى منذ أبان بن عبد الحميد، وتبعه الشعراء ينظمون فيه التاريخ والعلوم والفلسفة.

وهو الذى سماه الفرس فيما بعد باسم المثنوى مختارين له وزنا معينا وفيه تتحد القافية بين شطرى كل بيت مع تغيرها من بيت إلى بيت. وبذلك لم تعد الوحدة فيه البيت، وإنما الشطر، وأكبر الظن أن ذلك هو الذى ألهم الوشاحين فيما بعد أن تقوم الوحدة فى موشحاتهم على الشطر لا على البيت. وقد اتسع استخدام هذا اللون المزدوج فى هذا العصر: عصر الدول والإمارات، إذ لم يترك العلماء علما دون أن يودعوه فى أرجوزة مزدوجة، وتموج المكتبات العربية بهذه المزدوجات فى كل علم وكل فن.

وقد ظهرت المسمطات منذ فواتح العصر العباسى الأول، وهى قصائد تتألف من أدوار، وكل دور يتألف من أربعة شطور أو أكثر، وتتفق شطور كل دور فى قافيتها ما عدا الشطر الأخير فإنه ينفرد بقافية مغايرة يلتزمها الشاعر فى جميع الشطور الأخيرة من الأدوار. والمسّمّط مشتق من السّمط، وهو قلادة تنتظم فيها عدة سلوك تلتقى عند جوهرة كبيرة، وكأن كل دور فى المسمّط الشعرى سلك يلتقى مع الأدوار أو الأسلاك الشعرية الأخرى فى قافية الشطر الأخير. وقد مثّلنا فى كتاب العصر العباسى الأول بمسمّطين لأبى نواس يتألف الدور فى أحدهما من أربعة شطور وفى الثانى من خمسة. وتظل المسمطات طوال عصر الدول والإمارات قائمة بجوار القصيدة، وينظم الشعراء فيها من حين إلى حين إظهارا للبراعة، وعنى كثير منهم أشد العناية بتصفية ألفاظه وخفتها على اللسان ورشاقتها على نحو ما نجد فى هذه الأدوار من مسمّط (١) أنشده العماد الأصبهانى فى الخريدة لأبى المعالى بن مسلم:

ياريم كم تجنّى؟ ... لم قد صددت عنّا صل عاشقا معنّى

بالوصل ما تهنّا ... السّلسبيل ريق

والشّهد والرّحيق والورد والشّقيق

من وجنتيه يجنا ... قد غيّروا ولاموا

من شفّه السّقام ما ينفع الملام

من فى هواك جنّا

والدور فى هذا المسمط يتألف من أربعة شطور، والرابع قطبها الذى تدور عليه، ومثله المسمّطات ذات الشطور الخمسة وتسمى المخمسات، ومثلها ذات الشطور الستة


(١) انظر الخريدة (قسم العراق) ٢/ ٣٠٩

<<  <  ج: ص:  >  >>