للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المتوفى ببغداد سنة ٥٧٤ عرف باسم الحيص بيص لأنه رأى الناس يوما فى حركة شديدة فقال: ما للناس فى حيص بيص، فلصقت به الكلمة لقبا له، وهو يشغل فى المجلد الأول من القسم العراقى فى الخريدة نحو مائة وستين صحيفة، استهلها العماد بأنه من سلالة أكثم ابن صيفى الحكيم الجاهلى، وذكر أنه قرأ عليه ديوانه واقتطف قطعة من خطبته للديوان يفضل فيها الشعر على النثر، وقطعة أخرى يتحدث فيها عن اشتغاله فى أول شبابه بالفقه ومسائل الخلاف فيه، ثم اتجه إلى الشعر فبرع فى نظمه. ويستعرض العماد ديوانه على ترتيب الحروف فى الافتخار والمديح، ويذكر له ثلاثة أبيات هنأ بها الخليفة المستضئ بأمر الله حين اعتلى عرش الخلافة سنة ٥٦٦ تجرى على هذا النمط:

سألنا الله أن نعطى إماما ... نعيش به فأعطانا نجيّا

بلغنا فوق ما كنا نرجّى ... هنيّا يا بنى الدنيا هنيّا

وقد كشف الظلام بمستضئ ... غدا بالناس كلّهم حفيّا

وسرّ المستضئ حين سمع منه ذلك فأعطاه ثلاثمائة دينار وخلعة ودارا، وأقطعه ضيعة كبيرة. ولعل فى ذلك ما يدل على أن سوق المديح ظلت رائجة طوال أزمنة الخلافة العباسية ببغداد. وخلف المستضئ الناصر (٥٧٥ - ٦٢٢ هـ‍) فعمل على رواج سوق المديح بكل ما وسعه، حتى لقد أنشأله ديوانا خاصا وسمى الشعراء المدونة أسماؤهم فيه باسم شعراء الديوان (١)، وأكبر الظن أنه كان يجرى عليهم رواتب، وكانت لهم مواسم كثيرة يلقون فيها الشعر حين يتولىّ خليفة وحين يقبل عيد أو يولد ولد أو يختن، وكذلك حين يسترد الخليفة صحته من مرض ألمّ به. وبالمثل كان للوزراء وذوى البيوتات شعراؤهم، وشاعر الناصر الفذ سبط ابن التّعاويذى، وسنترجم له. ويقال إن محيى الدين بن الجوزى كان ينظم فى كل أسبوع قصيدة يمدح بها الناصر (٢)، فما بالنا بغيره من شعراء الديوان الذين كانوا يلتمسون المناسبات لنظم مدائحهم. ومنذ احتدمت الحروب بين صلاح الدين والصليبيين وأخذت انتصاراته تتوالى أخذ كثيرون من شعراء العراق ينظمون مدائحهم فيه، من مثل العلم الشاتانى (٣) الموصلى المتوفى سنة ٥٧٩ وله فيه مدحة استهلها بقوله:


(١) انظر نساء الخلفاء لابن الساعى تحقيق د. مصطفى جواد (طبع دار المعارف) ص ٩ وراجع الجامع المختصر لابن الساعى (طبع بغداد) ٩/ ٦٩، ١٥٣، والوافى ٢/ ١٠١ و ٤/ ٣٧٩.
(٢) ذيل مرآة الزمان لليونينى (طبع حيدر آباد) ١/ ٣٣٧
(٣) انظر فى ترجمة الشاتانى الخريدة (قسم الشام) ٢/ ٣٦١ وابن خلكان ٢/ ١١٣ وتهذيب ابن عساكر ٤/ ١٧٧ والسبكى ٧/ ٦١

<<  <  ج: ص:  >  >>