للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا تراهما فيه العيون، وكيف كانت تعفّى آثار أقدامهما بأذيال ثوبها الموشى.

واسترسل يصف محاسنها ومفاتن جسدها وأطرافها، مصورا كيف تستصبى الرجال وتعبث بقلوبهم.

ومن يقرأ هذه المغامرات القصصية عند امرئ القيس تفد على ذهنه توّا مغامرات ابن أبى ربيعة فى غزله، لا من حيث حواره مع النساء وحكايته لأحاديثهن وكلامهن فحسب، بل أيضا من حيث وصف الدبيب إليهن فى الليل ومنعة أحراسهن على نحو ما تصور ذلك رائيته المشهورة:

أمن آل نعم أنت غاد فمبكر ... غداة غد أم رائح فمهجّر

وقد لاحظ طه حسين هذا التشابه فى غزل الشاعرين، فأنكر ما ينسب إلى امرئ القيس من هذا الغزل القصصى الصريح وقال إنه انتحل انتحالا، انتحله بعض القصاص على غرار ما وجدوا منه عند ابن أبى ربيعة (١). وليس هناك ما يمنع أن يكون ابن أبى ربيعة قد عرف غزل امرئ القيس وتأثر به كما تقضى طبيعة التأثر إذ يتأثر اللاحق بالسابق، ومن التحكم أن نرفض ذلك. ولعل خيرا من هذا؟ ؟ ؟ الرفض أن نقارن بين صنيعى الشاعرين فى وصف مثل هذه وتقليل ما؟ ؟ ؟ بينهما من فروق، فكلاهما حقّا يتحدث عن زيارته لصواحبه وما يتجشم فيها من أهوال، وما يكون بينه وبينهن من لهو. غير أننا نلاحظ عند عمر كما تصور ذلك رائيته تفننا فى رقة النجوى وفى كلف صواحبه به، ونحس أثر الحضارة التى غمرت المدينة ومكة بعد الفتوح، فالمرأة تتعلق بالشباب، وتسوق معهم معابثات ومغازلات لم تكن تألفها المرأة الجاهلية لزمن امرئ القيس.

ومعنى ذلك أن هذا المنحى من القصص الغرامى منحى قديم بدأه امرؤ القيس ونمّاه من بعده الأعشى (٢)، ثم كان العصر الأموى فتعلق به عمر بن أبى ربيعة وأضرابه.

ولعل من الطريف أنه لا يتضح عند امرئ القيس فى المعلقة وحدها، فمثلها المطولة (ألا عم صباحا أيها الضّلل البالى) فإنها تذهب نفس المذهب الذى رأيناه فى المعلقة،


(١) فى الأدب الجاهلى ص ٢٢١.
(٢) ابن سلام ص ٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>