فى المساجد، ولم يلبث أن استيقظت موهبته الشعرية، ولم تشمله عناية جده فحسب، فقد عنى به أيضا بنو المظفر مواليه، إذ أسبغوا عليه وعلى جده من أفضالهم الكثير، وكان لهم شأن كبير فى الدولة، إذ كان منهم وزراء وكتاب مختلفون، فألحقوه بدواوين الخلافة، واختاروا له الكتابة بديوان الإقطاع، وجعلته وظيفته فى هذا الديوان يتصل بكبار رجال الدولة وموظفيها المختلفين من غير بنى المظفر، وله مدائح فى الخلفاء وفى غير وزير، وخاصة ابن هبيرة. ويظهر أنه كان من جملة من فصلهم وزير الديوان أبو جعفر أحمد بن محمد التميمى المعروف بابن البلدى لعهد الخليفة المستنجد (٥٥٥ - ٥٦٦ هـ) إذ نراه يهجوه هجاء مرا، وكان هذا الوزير قد عزل أرباب الدواوين وحبسهم وحاسبهم وصادرهم وعاقبهم ونكّل بهم، وفيه يقول:
يا قاصدا بغداد حد عن بلدة ... للجور فيها زخرة وعباب
إن كنت طالب حاجة فارجع فقد ... سدّت على الرّاجى بها الأبواب
وارتهم الأجداث أحياء تها ... ل جنادل من فوقهم وتراب
ونراه فى قصيدة أخرى يشكو من ابن البلدى ومن ضائقته وعطلته مما يدل دلالة قاطعة على أنه كان قد فصل مع من فصلهم. ولم يلبث أن عاد إلى وظيفته، وأكبر الظن أن الخليفة المستنجد هو الذى أعاده، وكان جده لأمه ابن التعاويذى قد توفى ورثاه مرثية جيدة، استهلها بقوله:
لكلّ ما طال به الدهر أمد ... لا والدا يبقى الرّدى ولا ولد
وليس فى الديوان بعد ذلك ما يدل على أن أحداثا خطيرة مرت به. وقد ظل فى ديوان الإقطاع حتى سنة ٥٧٩ إذ كفّ بصره، ولم يعد يستطيع العمل فيه، ويلتمس حينئذ من الخليفة الناصر (٥٧٥ - ٦٢٢ هـ) أن ينقل راتبه فى الديوان إلى أبنائه، وكانوا كثيرين كما يبدو من إحدى قصائده، ويجيبه إلى ملتمسه، غير أنه يعود فيطلب إليه أن يجدّد له راتبا خاصّا به مدة حياته، ويحقق له طلبه، ويكثر حينئذ من ندب بصره بمثل قوله:
ألا من لمسجون بغير جناية ... يعدّ من الموتى وما حان يومه
يروّعه عند الصباح انتباهه ... فطوبى له لو طال وامتدّ نومه
ولم يعش طويلا وهو مكفوف، فقد توفى بعد نحو أربع سنوات سنة ٥٨٣ وقيل بل سنة ٥٨٤. وكان قد جمع ديوانه بنفسه قبل كفّ بصره، وعمل له خطبة طريفة، كما يقول ابن خلكان، ورتبه فى أربعة فصول، وكل ما نظمه بعد هذا الترتيب سماه الزيادات،