ولو لم نعرف اسم الممدوح لظنناه إماما شيعيا فهو المهدى الذى تنتظره الشيعة لينقذ العالم من مفاسده وشروره، وهو صاحب العصر والزمان الذى يختفى عن الأعين ومع ذلك يرعى أمور رعيته ويدّبر شئونها، بل إنه ليدبر الكون كله بليله ونهاره وأفلاكه وكواكبه وأرضه وسمائه وبره وبحره. وعلى نحو ما يضيف الشيعة إلى أئمتهم العلم وأنهم خزنته وذخائره كذلك يكرر الشاعر بأن العباسيين علماء الدين الحنيف وأعلام الهدى، ولا يملّ من تكرار نشرهم للعدل. وكان الشيعة يرددون أن أئمتهم حجج الله فى أرضه على عباده، ويقتبس الشاعر هذه الفكرة فى مدحه للناصر قائلا:
حجّة الله أنت والسّبب المم ... دود ما بينه وبين الناس
ولعل فى ذلك كله ما يدل على أن من الخطأ أن يسلك سبط ابن التعاويذى بين شعراء الشيعة كما ظن بعض المعاصرين، فهو شاعر عباسى، متعصب لخلفاء بنى العباس أشد التعصب، ولذلك أمثلة كثيرة فى شعره، وهو يقرر دائما أنهم أصحاب الحق الشرعى فى الخلافة، ولذلك كنت أشك فى أنه نظم مرثية الحسين.
أرقت للمع برق حاجرىّ ... تألّق كاليمانى المشرفىّ
ويغلب أن تكون المرثية أضيفت إلى الديوان فى زمن مبكر.
وحين كاد العماد الأصبهانى يعمل فى دواوين الخلافة ببغداد انعقدت بينه وبين الشاعر صلة مودة، فلما بارح العماد العراق إلى الشام واتصل بصلاح الدين كان الشاعر يراسله، ويقول ياقوت إن العماد ذكر فى ترجمته بعض ما كان بينهما من مراسلات، وفى ابن خلكان رسالة بديعة للشاعر أرسل بها إلى العماد يطلب منه فروة. ويبدو أن العماد عمل على أن يصل بينه وبين صلاح الدين من جهة ووزيره القاضى من جهة ثانية، وفى ديوانه أربعة مدائح وجه بها إلى صلاح الدين بين سنتى ٦٧٠ و ٦٨٠ كافأه عليها مكافآت سنية، لعل أهمها النونية، وفيها يقول:
قاد الجياد معاقلا وإن اكتفى ... بمعاقل من رأيه وحصون