مدد لنواحه فى شعر الناشئ (١) الأصغر على بن عبد الله بن وصيف المتوفى سنة ٣٦٦ ويقول ابن خلكان: هو من الشعراء المحسنين، وكان متكلما بارعا وله فى أهل البيت قصائد كثيرة، ويقول ياقوت: «كان يعتقد الإمامية ويناظر عليها بأجود عبارة واستنفد عمره فى مديح أهل البيت حتى عرف بهم» وأشعاره فيهم لا تحصى كثرة. وكثير من هذه الأشعار كان يناح بها فى مساجد بغداد، ينوح بها أحمد المزوّق وغيره، ويروى أنه ناح يوما فى أحد هذه المساجد بقصيدة ملتاعة للناشئ الأصغر، وفيها يقول:
بنى أحمد قلبى لكم يتقطّع ... بمثل مصابى فيكم ليس يسمع
عجبت لكم تفنون قتلا بسيفكم ... ويسطو عليكم من لكم كان يخضع
كأنّ رسول الله أوصى بقتلكم ... فأجسامكم فى كل أرض توزّع
فما بقعة فى الأرض شرقا ومغربا ... وليس لكم فيها قتيل ومصرع
وكان الشاعر حاضرا، فظل يلطم وجهه، وتبعه النائح والحاضرون يلطمون وجوههم وينوحون بأبيات القصيدة من الضحى حتى صلاة الظهر. وللناشئ قصيدة بائية يدعو فيها للأخذ بثأر الحسين كان الناس ينوحون بها فى أيامه ببغداد وفى مشهد الحسين بكربلاء، وفيها يقول:
متى تأخذون الثأر ممن تألّبوا ... عليكم وشبّوا الحرب وهى ضروب
شهيد توزّعن الصوارم جسمه ... فخرّ بأرض الطّفّ وهو تريب
قتيل على نهر الفرات على ظما ... تطوف به الأعداء وهو غريب
وأرض الطف: كربلاء. وتريب: معفّر بالتراب. والناشئ الأصغر يشير إلى سفك دم الحسين بكربلاء، ويمضى فيشيد بالأئمة الأولين: على والحسن والحسين الذين حووا-فى رأيه-علم كل ما قد كان أو هو كائن أو يكون ويقول:
حووا علم ما قد كان أو هو كائن ... وكلّ رشاد يبتغيه طلوب
وقد حفظت غيب العلوم صدورهم ... فما الغيب عن تلك الصدور يغيب
ولابد أن نلاحظ أن كثيرين من الشعراء بكوا الحسين، ولم يكونوا شيعة مثل سبط ابن التعاويذى، وهو أكبر مداح للخلفاء العباسيين فى القرن السادس، حتى إنه ليخلع عليهم صفات أئمة الشيعة كما مر بنا فى غير هذا الموضع، ومع ذلك رأينا له مرثية يائية للحسين، إن صح أنها له كما مرّ بنا. وكأنما أصبح رثاؤه موضوعا عاما يشترك فيه الشيعة وغير الشيعة،
(١) انظر فى الناشئ الأصغر اليتيمة ١/ ٢٣٢ ومعجم الأدباء ١٣/ ٢٨٠ وابن خلكان ٣/ ٣٦٩ ولسان الميزان ٤/ ٢٣٨