للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كربلا لازلت كربا وبلا ... ما لقى عندك آل المصطفى

ويصوّر الموقعة وما سال فيها من دماء طاهرة ودموع جارية، والنساء اللائى كن مع الحسين يمسحن الرمل عن نحره الملطّخ بالدماء، ولم تلبث الوحوش أن طعمت من أشلاء القتلى أرجلا طالما قامت إلى الصلاة وأيمانا طالما رفعت إلى السماء ووجوها طالما تبتّلت إلى الله، وينشد:

يا رسول الله لو عاينتهم ... وهم ما بين قتلى وسبا

لرأت عيناك منهم منظرا ... للحشا شجوا وللعين قذى

ليس هذا لرسول الله يا ... أمّة الطّغيان والبغى جزا

غارس لم يأل فى الغرس لهم ... فأذاقوا أهله مرّ الجنا

جزروا-جزر الأضاحى-نسله ... ثم ساقوا أهله سوق الإما (١)

وهو يصوّر ركب الحسين، أما الرجال فسفكت دماؤهم الذكية، وأما النساء فسيقوا سبيّات محمولات على ظهور الإبل دون مهاد أو كساء يسترحن عليه، فيا للظلم ويا للقسوة، وهن مشعّثات الشعور مكشوفات الوجوه والأعناق يهتفن باسم رسول الله، ولا من يشفق عليهن أو يرحم. ويقول الرضى: أهكذا يكون جزاء رسول الله فى سبطه وآله؟ يغرس وتفتح لدينه الحنيف الأرض ولا يذوق أهله سوى الحنظل، بل إنهم ليذبحون ذبح الأضاحى، يذبح الرجال، وتساق النساء سبيّات، ويتجه الرضى إلى جده الحسين منشدا:

يا قتيلا قوّض الدهر به ... عمد الدين وأعلام الهدى

قتلوه بعد علم منهم ... أنه خامس أصحاب الكسا (٢)

مرهقا يدعو ولا غوث له ... بأب برّ وجدّ مصطفى

وبأمّ رفع الله لها ... علما ما بين نسوان الورى

ميّت تبكى له فاطمة ... وأبوها وعلىّ ذو العلا

لو رسول الله يحيا بعده ... قعد اليوم عليه للعزا

والقصيدة كلها لوعات وأنات على هذا النحو، وعنى الرضى برصف كلماتها بحيث لا تعلو على أفهام العامة، ولتكون صالحة لكى يردّدها الناحة. وجعلت هذه السهولة


(١) الأضاحى: ذبائح عيد الأضحى. الإما: الإماء.
(٢) يشير إلى حديث ترويه الشيعة الإمامية: يقولون إن الرسول صلى الله عليه وسلم ألقى كساء عليه وعلى السيدة فاطمة الزهراء وعلىّ وابنيه الحسن والحسين، وقال: هؤلاء عترتى وأهل بيتى، وبذلك سموا أصحاب الكساء.

<<  <  ج: ص:  >  >>