للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هو الذى رعاه أدبيا، وخاصة أنه رأى عنده استعدادا حسنا، فمضى معه يثقّفه ويدرّبه، حتى خرّجه شاعرا بارعا. والرضىّ بذلك يعدّ استاذه الفنى، فلا غرابة إذا وجدنا التلميذ ينسج على منوال أستاذه، وهو نسيج يلاحظ من جهتين: جهة معارضته لكثير من قصائد الرضى، يأخذ منه الوزن والقافية، وينظم على غراره. وجهة ثانية لعلها أهم هى تمثّل اتجاهاته الشعرية، ونقصد اتجاهات الشكوى من الزمن والفخر والنزوع إلى التبدّى أو النسيب والغزل بالبدويات، أما الشكوى فإنه يشكو كثيرا سوء بخته وأن الزمن لا ينيله ما يتمنى، بل يقف حجر عثرة دون أمانيه.

وكان الرضى يفخر بمحتده الشريف وعروبته العريقة، فبماذا يفخر مهيار؟ لقد اتجه بفخره فى بواكير حياته نحو قومه، وبذلك استحال فخره شعوبيا ذميما، على نحو ما يلقانا فى مثل قوله:

أعجبت بى بين نادى قومها ... أمّ سعد فمضت تسأل بى

قومى استولوا على الدهر فتى ... ومشوا فوق رءوس الحقب

عمّموا بالشمس هاماتهم ... وبنوا أبياتهم بالشّهب

قد قبست المجد من خير أب ... وقبست الدين من خير نبى

وضممت الفخر من أطرافه ... سؤدد الفرس ودين العرب

وقد التقينا بهذا الصوت المنكر فى كتاب العصر العباسى الأول عند بشار، وأخذ يخفت غير أنه كان يظهر من حين إلى حين، حتى إذا كان ابن قتيبة وجدناه يمزج بين الثقافة الإسلامية العربية-كما أشرنا إلى ذلك فى كتاب العصر العباسى الثانى-وبين الثقافات الأجنبية، حتى يزيل الحواجز والفروق بين النوعين من الثقافات والحضارات، وحتى يقطع الطريق على الشعوبيين وما يدّعونه من تفوق الفرس والروم على العرب فى الحضارة والمدنية. ومع ذلك ظلت أصوات ضعيفة ترتفع من حين إلى حين، كصوت أبى عبد الله أحمد بن محمد بن نصر الجيهانى وزير السامانيين وكان يظهر الإسلام ويبطن الزندقة، فألف كتابا حمل فيه على العرب وتبدّيهم حملات شعواء، صورها أبو حيان فى كتابه الإمتاع والمؤانسة، ناقضا لها نقضا شديدا. وكأنما وجد الجيهانى الفارسى فى مهيار مستجيبا له، لا فى هذه اليائية وحدها، بل أيضا فى قصائد أخرى. ونراه مع الزمن يتخلص من هذه النزعة الشعوبية، ويملأ شعره بالحنين إلى نجد وبدوياتها الفاتنات، مستلهما فى ذلك أستاذه الرضىّ، بمثل قوله:

<<  <  ج: ص:  >  >>