للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خاصة، ثم لا يلبث أن يعود إلى مسقط رأسه، حتى إذا بلغ الخامسة والعشرين من عمره نظم قصائده السبع العلويات، وهى فى مديح على بن أبى طالب وبيان فضائله، وفيها لا يبدو شيعيا إماميا فى هذه الحقبة من حياته، بل يبدو رافضيا غاليا فى الرفض، إذ يخلع على الإمام علىّ صفات الله جل شأنه، وكأنه حلّ فيه وامتزج بذاته، تعالى الله علوا كبيرا عما يلج فيه من مثل قوله فى على أو كما يسميه حيدرا (١):

والله لولا حيدر ما كانت ال‍ ... دّنيا ولا جمع البريّة مجمع

من أجله خلق الزمان وضوّءت ... شهب كنسن وجنّ ليل أدرع (٢)

علم الغيوب إليه غير مدافع ... والصّبح أبيض مسفر لا يدفع

وإليه فى يوم المعاد حسابنا ... وهو الملاذ لنا غدا والمفزع

فعلىّ علة الوجود من أجله خلق الكون والزمان وأضاءت الشمس والكواكب وأظلم الليل وانتشرت دجنتّه، وهو علام الغيوب أو عالمها، وهو-يوم البعث-الذى سيحاسب الناس على ما قدمت أيديهم من خير أو شر. وكل هذا تجديف فى حق الذات العلية، فعلى ليس علة الكون والوجود، فمثله مثل البشر جميعا، حقا هو صحابى جليل، ولكن ذلك لا يرفعه على بشريته ولا يجعله سر الوجود ولا علة له، ومعاذ الله أن يكون علام الغيوب، وقد استأثر الله بعلم الغيب كما نصت على ذلك آيات الذكر الحكيم من مثل قوله تعالى: {(قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللهُ)} وقوله: {عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً}. وبالمثل زعم ابن أبى الحديد أن الناس يعرضون على الإمام على ابن أبى طالب يوم البعث فيحاسبهم على أعمالهم، والحساب إنما هو لله وحده جلّ شأنه.

ويتمادى فى علوياته الرافضة، فيتعرض بالبهتان على أول من صدّق بالرسول صلى الله عليه وسلم من الرجال وأوثق الصحابة صلة به ورفيقه فى الهجرة، على الصديق أبى بكر، ومعروف أن الرسول صلى الله عليه وسلم ولاه أمور دين المسلمين من الحج بهم فى السنة التاسعة للهجرة والصلاة بهم فى مرضه ونرى ابن أبى الحديد يزعم افتراء وبهتانا أن الرسول أناب أبا بكر كى يقيم للناس الحج ثم عزله (٣)، وهو لم يعزل إذ أقام الحج فعلا للناس. ومعروف أنه حين اشتد المرض بالرسول صلى الله عليه وسلم قبيل انتقاله إلى الرفيق الأعلى أمر أبا بكر أن يصلى بالناس، فصلى بهم سبع


(١) القصائد السبع العلويات مع شرحها (طبع صيدا بلبنان) ص ١٠١.
(٢) كنسن: سرن، جن: دجا. أدرع: مظلم.
(٣) القصائد السبع العلويات مع شرحها ص ٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>