للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عشرة صلاة، وصلى الرسول عليه السلام مؤتما به ركعة ثانية من صلاة الصبح، ثم قضى الركعة الباقية وقال: «لم يقبض نبىّ حتى يؤمّه رجل من قومه». ومع تواتر هذه الولاية من الرسول صلى الله عليه وسلم لأبى بكر الصديق على أمور المسلمين فى الصلاة والحج وثبوتها ثبوتا قاطعا يزعم ابن أبى الحديد زعما باطلا أن الرسول عزل أبا بكر عن الصلاة (١). كما عزله عن الحج. وكل هذا غلو فى البهتان والرفض. ويترك المدائن إلى بغداد نهائيا فى تاريخ غير معروف تماما، ويبدو أنه تخلى عن رفضه ورجع إلى صوابه، إذ نراه يمدح الناصر، ثم يلزم الخليفة المستنصر العباسى ويدبج فيه مدائح عرفت بالمستنصريات، وقد بلغت خمس عشرة قصيدة نظمها فى السنوات من ٦٢٩ إلى ٦٣١ وكان ألحق بدواوين الدولة وأصبح من موظفيها، وإنه لينقلب عباسيا ضد العلويين يحطب فى حبل العباسيين ويدعو لهم، بمثل قوله فى المستنصر:

يا بنى هاشم بكم يغفر اللّ‍ ... هـ الخطايا ويقبل الأعمالا

أنتم بالنبىّ أولى فإن ش‍ ... كّ جهول فليقرأ الأنفالا

وإليكم إرث النبىّ تناهى ... وإليكم سرّ الإله تعالى

وقد يقال إن البيت الأول عام فى بنى هاشم جميعا علويين وعباسيين، غير أنه لا يلبث فى البيت الثانى أن يصرح بأن العباسيين أحق بإرث الخلافة عن الرسول صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى فى سورة الأنفال: {(وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ)} مشيرا بذلك إلى حكم الإسلام فى الميراث وأن العم وهو العباس يحجب ابن العم وهو على بن أبى طالب كما يحجب أبناء بنت الرسول، والعباسيون كما يقول فى البيت الأخير الورثة الحقيقيون للخلافة. وبمثل هذه الأبيات، بل بمستنصرياته جميعا نقض رفضه، بل تشيعه عامة، حتى لنراه يقول فى المستنصر:

وأنت الدّهر يخفض كلّ عال ... بقوّته ويمسك كلّ هارى (٢)

ويبرم ما يشاء بلا اعتساف ... وينقض ما يشاء بلا اقتسار

وكأنه تمثل فيه ثانية غلوّه السالف فى على بن أبى طالب، فجعله الدهر يخفض ويرفع ويعصم من السقوط ويبرم الأمور وينقضها نقضا.

ولا يزال يعمل فى دواوين الخلافة حتى يتوفى المستنصر ويخلفه ابنه المستعصم (٦٤٠ - ٦٥٦ هـ‍). ويعزل من وظيفته سنة ٦٤٢ ويتولى أعمالا مختلفة حتى يتوفى سنة ٦٥٦ وقيل بل سنة ٦٥٥ وكانت قد توثقت صلته بابن العلقمى وزير المستعصم وكان شيعيا فيستحثه على


(١) نفس المصدر والصفحة.
(٢) هارى: متصدع يوشك أن ينهدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>