السادس الشاعر الملقب بالأبله (١) لقّب بذلك لأنه كان فيه طرف بله، وقيل بل لأنه كان غاية فى الذكاء فلقّب بذلك على طريقة الأضداد، واسمه أبو عبد الله محمد بن بختيار ابن عبد الله المولّه أى الهائم صبابة وعشقا، وحرّفت الكلمة فى بعض الكتب فقيل المولد بدلا من الموله، وهو تحريف واضح. وذكره العماد الأصبهانى فى كتاب الخريدة، فقال:
«هو شاب ظريف يتزيىّ بزىّ الجند، رقيق أسلوب الشعر حلو الصناعة، رائق البراعة، عذب اللفظ، أرق من النسيم. وكل ما ينظمه، ولو أنه يسير، يسير، والمغنون يغنون برائقات أبياته (مؤثرين لها) عن أصوات (أغانى) القدماء، فهم يتهافتون على نظمه المطرب، تهافت الطير الحوّم على عذب المشرب». ثم قال أنشدنى لنفسه من قصيدة سنة ٥٥٥ ببغداد:
زار من أحيا بزورته ... والدّجى فى لون طرّته
يا لها من زورة قصرت ... فأماتت طول جفوته
آه من خصر له وعلى ... رشفة من برد ريقته
يا له فى الحسن من صنم ... كلّنا من جاهليّته
والكلمات محكمة، وتكاد تطير عن الشفاه طيرانا لخفتها، والدقة واضحة فى تشبيهاته وطبقاته، وأيضا فى مراعاته للنظائر فى الكلمات كما فى البيتين الأخيرين، وقد جعل محبوبته صنما يريد أنها معبودة لفتنتها وسحر جمالها وكأنها أعادت الناس إلى زمن الجاهلية، فكلهم عابد لها مسحور. والكلمات والأبيات معدّة حقا للغناء، إذ كان أستاذا فى زمنه من أساتذة الأغانى، ولذلك كان يتخاطف المغنون والمغنيات غزلياته. ويقول ابن خلكان:«جمع الأبله البغدادى فى شعره بين الصناعة والرقة وله ديوان شعر بأيدى الناس» وقال ابن الجوزى فى المنتظم كانت وفاته ببغداد سنة ٥٧٩ وقال غيره بل سنة ٥٨٠ ومن غزله البديع قوله فى مطالع إحدى قصائده:
يا برق إن تجف العقيق فطالما ... أغنته عنك سحائب الأجفان
هيهات أن أنسى رباك ووقفة ... فيها أغير بها على الغيران