للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرفاعى، فكانوا يتغنون بغزلياته، ويرونها معينا لا ينضب لاستثارة حبهم الصوفى، ويقول ابن خلكان: «سمعت جماعة من مشايخ البطائح (يريد أصحاب الرفاعى) يقولون:

ما سبب لطافة شعر ابن المعلم إلا أنه كان إذا نظم قصيدة حفظها الفقراء (المتصوفة) المنتسبون إلى الشيخ أحمد الرفاعى وغنوا بها فى سماعاتهم (يريد أذكارهم) وطابوا عليها، فعادت عليه بركة أنفاسهم. . وبالجملة فشعره يشبه النّوح، ولا يسمعه من عنده أدنى هوى إلا فتنه وهاج غرامه». وملاحظة ابن خلكان أن شعر ابن المعلم يشبه النّوح ملاحظة دقيقة توضح السبب الحقيقى فى تعلق طائفة الرفاعيين به، لما يحمل من كثرة الوجد ولوعاته وحرارته التى لا تنطفئ فى فؤاده أبدا، فهو دائما يريد الوصال، ولا وصال على طريقة الصوفية، بل فراق متصل، يشقى به المحب ويبكى وينوح ولا مغيث ولا مخلّص ولا معين ولا أمل فى لقاء أو ما يشبه اللقاء، يقول:

لو قضى من أهل نجد أربه ... لم يهج نشر الخزامى طربه

علّلوا الصّبّ بأنفاس الصّبا ... إنها تشفى النفوس الوصبه

فهى إن مرّت عليه نشرت ... ما انطوى عنه وجلّت كربه

كلفى فيكم قديم عهده ... ما صباباتى بكم مكتسبه

عن جفونى النوم من بعّده ... وإلى جسمى الضّنا من قرّبه

فصلوا الطّيف إذا لم تصلوا ... مستهاما قد قطعتم سببه

فهو لم يقض أربا من صاحبته، وذلك هو مصدر لهفته ولوعته، وإنه ليتمنى أن تمرّ به أنفاس الصّبا محمّلة بنشرها علّها تشفيه من أوصابه وأوجاعه وتنقذه من كربه العظيم، وإنه ليكلف بها أشد الكلف، كلفا كأنما فطر عليه، فهو يعذبه ويشقيه ويسهده ويضنيه، وإنه ليتمنى أقل التمنى: أن يرى طيف المحبوبة ولكن أنّى له، وهو لا ينام، بل يظل ليله-مثل نهاره-يحتمل ما لا يستطيع تحمله من آلام الحب الذى أصبح محنة، لا يستطيع قلبه أن يجد إلى التخلص منه سبيلا. وينشد له العماد قطعة من كلمة له سارت وأنجدت وغارت حتى شدا بها الشادى، وحدا بها الحادى، ووجد بها أرباب الغناء الغنى والوجد (١) وأصحاب القلوب الهوى والوجد، وهى مطلع لإحدى مدائحه وفيها يقول:

تنبّهى يا عذبات الرّند ... كم ذا الكرى؟ هبّ نسيم نجد

مرّ على الروض وجاء سحرا ... يسحب بردى أرج وبرد


(١) الوجد: اليسار والسعة

<<  <  ج: ص:  >  >>