حتى إذا عانقت منه نفحه ... عاد سموما والغرام يعدى
وا عجبا منى! أستشفى الصّبا ... وما تزيد النار غير وقد
أعلّل القلب ببان رامة ... وما ينوب غصن عن قدّ
وأسأل الرّبع ومن لى لو وعى ... رجع الكلام أو سخا بردّ
أأقتضى النّوح حمامات اللّوى ... هيهات ما عند اللّوى ما عندى
بانوا فلا دار العقيق بعدهم ... دار ولا عهد الحمى بعهد
والقطعة تكتظ بحب محروم يلذع فؤاد صاحبه لذعا بنيرانه، وبينما هو فى آلامه وغصصه التى يتجرعها محزونا إذا نسيم نجد يهبّ محملا بشذى عطر، يرد الروح، وكأنه رحيق الحياة، غير أنه لا يكاد يعانق منه نفحة حتى يحس كأنما فارق كل ما كان به من برد ولطف وعاد سموما، بل سمّا. ويا للهول نسيم أرج بارد يصبح ريحا سموما ساخنا، وإنه ليزيد نار حبه وقدا واشتعالا، ويتلفت يسأل الربع عن محبوبته، وليس عند الربع من جواب، وإنه ليئنّ وينوح ويطلب من حمامات اللوى أن تنوح وتئن معه، فهو أولى من الّلوى بالأنين والنواح، إنه ليس عندها ما عنده من تباريح الغرام، فقد رحلت صاحبته، ولم تعد دار العقيق دارها ولا عهد الحمى بعهد لها. لقد ذهب منه كل شئ ولم يعد له إلا النواح والبكاء. وله من أخرى فى فنّها وحلاوتها وحسنها كما يقول العماد الأصبهانى:
أرقى وهو المحبّ المستهام ... ما يداوى بالتعاويذ الغرام
قصرت عن برئه أيدى الأسا ... كيف حسم الداء والداء عقام (١)
يا لديغ الحدق النّجل متى ... تجد البرء وحاميه الحسام
ودواء الحب فى شوك القنا ... مت لديغا كلّ درياق سمام
قل لنوّام الغضا عن ساهر ... من تجافاه الهوى كيف ينام
غبتم بالشمس عن ناظره ... والضّحى مثل الدّجى كلّ ظلام
فحبه مرض عضال لا يداوى بالتعاويذ والرّقى، وقد عجزت عن برئه وشفائه أيدى الأسا والطب والعلاج، إنه داء لا يمكن الخلاص منه، وإنه للديغ الحدق النّجل الساحرة، وكل درياق له أو دواء إنما هو سم فلا يدرى المصاب به أيشرب رحيقا شافيا أم سمّا قاتلا. ويتجه إلى أهل الغضا يشكو سهاده وجفاء محبوبه، فقد غابوا بشمسه عن
(١) الأسا: المداواة والعلاج. عقام: لا يشفى منه.