للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأسفل من التصريح بالمآثم على نحو ما نرى فى خمريات عبد الصمد (١) بن بابك المتوفى بعدهما سنة ٤١٠ وله من خمرية:

عقار عليها من دم الصّبّ نفضة ... ومن عبرات المستهام فواقع

معوّدة غصب العقول كأنما ... لها عند ألباب الرجال ودائع

تحيّر دمع المزن فى كأسها كما ... تحيّر فى ورد الخدود المدامع

وقد أبدع فى تصوير فواقعها فى كأسها بأنها عبرات شاربها العاشق الولهان، ويقول إنها استردّت منه وديعتها، ففارقه عقله. ويصل بين امتزاج الماء بالخمر المحمرة فى كأسها وبين الدموع وتحدرها على خدود المحبوبة الموردة، وله من أخرى:

يا صاحبىّ امزجا كأس المدام لنا ... كيما يضئ لنا من نورها الغسق

خمرا إذا ما نديمى همّ يشربها ... أخشى عليه من اللألاء يحترق

لو رام يحلف أن الشمس ما غربت ... فى فيه كذّبه فى وجهه الشّفق

وخوفه على نديمه من الاحتراق فى لألاء الخمر غريب، وأغرب منه دعواه أن الشمس غربت فى فمه بدليل ما تتضرج به خدوده من حمرتها، وكأنها تركت عليها شفقها أو بصماتها الحمراء. ويظل الشعراء بعد ابن بابك ينظمون فى الخمر متفننين فى معانيها محاولين بكل جهدهم أن ينفذوا فيها إلى طرائف جديدة، على نحو ما يلقانا عند سبط ابن التعاويذى والحاجرى والتّلعفرى وصفى الدين الحلّى. وانحصرت موجة المجون والفحش بذلك عند ابن سكرة وابن الحجاج وتراجعت عند خالفيهم وكادت تنحصر فى شعر هزلى مضحك على نحو ما هو معروف عند صريع (٢) الدّلاء المتوفى بمصر سنة ٤١٢ من مثل قوله:

من مضغ الأحجار أدمت فكّه ... فالضّرس لم تخلق لتليين الحصى

من قطع النّخل وظلّ راجيا ... ثمارها فذاك مقطوع الرّجا

وقد يحاول شاعر من باب الدعابة محاكاة ابن حجاج أو ابن سكرة، غير أنه يخفف جدا من تماجنه وتعابثه بحيث لا يستخدم شيئا من ألفاظ الفحش، إنما يكتفى ببيان عكوفه على الخمر وأنها كل لذته فى دنياه، حتى إنه لا يستطيع أن يهجرها فى ليالى رمضان


(١) انظر فى ترجمة عبد الصمد اليتيمة ٣/ ٣٧٤ وابن خلكان ٣/ ١٩٦ وعبر الذهبى ٣/ ١٠٢ والنجوم الزاهرة ٤/ ٢٤٥ والشذرات ٣/ ١٩١. وله ديوان مخطوط. انظر بروكلمان ٥/ ٢٥.
(٢) انظر فى ترجمة صريع الدلاء تتمة اليتيمة للثعالبى ١/ ١٤ وابن خلكان ٣/ ٣٨٣ وعبر الذهبى ٣/ ١١٠ والشذرات ٣/ ١٩٧ وله ديوان مخطوط. انظر بروكلمان ٢/ ٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>