للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تكاد تكون خاصة بالطبقة المترفة فى الأمة ومن حفّ بها من المغنين والمغنيات والشعراء وأهل العبث. وكان الشعب لا يشترك فى اللهو إلا فى مواسم خاصة كأعياد المجوس والنصارى. أما موجة التقشف والنسك فكانت عامة يشترك فيها كثير من الطبقة العامة وجمهور أو جماهير الأمة، إذ كانت تغدو صباح مساء إلى المساجد تتلو القرآن وتسبح الله وتذكره ليلا ونهارا. وكان يغذى هذه الروح فى المساجد وعاظ يزدحم الناس على مجالسهم.

ومن كبار الوعاظ ابن سمعون (١) المتوفى سنة ٣٨٧ ويقول ابن خلكان: كان وحيد دهره فى الكلام على الخواطر وحسن الوعظ وحلاوة الإشارة ولطف العبارة» ومن قوله:

«سبحان من أنطق باللحم، وبصّر بالشحم، وأسمع بالعظم» إشارة إلى اللسان والعين والأذن، وإياه عنى الحريرى فى المقامة الرازية الحادية والعشرين بقوله فى أوائلها:

«رأيت بالرّىّ ذات بكرة، زمرة فى إثر زمرة، وهم منتشرون انتشار الجراد، ومستنّون (٢) استنان الجياد، ومتواصفون واعظا يقصدونه، ويحلّون ابن سمعون دونه» ولم يكن له نظير فى زمنه. وكانت تعاصره ميمونة (٣) بنت ساقولة الواعظة البغدادية المتوفاة سنة ٣٩٣ وكان لها لسان حلو فى الوعظ. وكان قبلها وبعدها كثيرات زاهدات، وكان بعضهن يعظن وبعضهن يحمل عنهن الحديث وقد ترجم ابن الجوزى فى كتابه «صفة الصفوة» لطائفة كبيرة منهن. وفى سنة ٤٩٦ توفى ببغداد واعظ كبير هو أردشير بن منصور «وبوعظه حلق أكثر الصبيان رءوسهم ولزموا المساجد وبدّدوا الخمور وكسروا الملاهى» (٤) ومن كبار الوعاظ الزهاد أبو الوفاء بن عقيل الحنبلى المارّ ذكره ويقول ابن رجب: «من معانى كلامه يستمد أبو الفرج بن الجوزى». وفى كل بلدان العراق نلتقى بأخبار هؤلاء الوعاظ مثل محمد بن عبد الملك الفارقى (٥) المتوفى سنة ٥٦٤ وقد ترجم له العماد ترجمة ضافية، ذكر فيها مواعظه ومناجياته لربه، وكان يضمنها أشعارا فى الزهد والوجد مثل قوله:


(١) انظر فى ترجمة ابن سمعون ابن خلكان ٤/ ٣٠٤ وتاريخ بغداد ١/ ٢٧٤ وطبقات الحنابلة لابن أبى يعلى ٢/ ١٥٥ وصفة الصفوة ٢/ ٢٦٦ والوافى ٢/ ٥١.
(٢) مستنون من استن: جرى.
(٣) النجوم الزاهرة ٤/ ٢٠٩.
(٤) النجوم الزاهرة ٥/ ١٨٦.
(٥) انظر ترجمة محمد بن عبد الملك فى الخريدة (قسم الشام) ٢/ ٤٣١ وما بعدها والمنتظم ١٠/ ٢٢٩ والوافى ٤/ ٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>