للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعصيانه ربه وأكله من الشجرة، فأخرج من الفردوس ثم أهبط إلى الأرض، ويصوّر ذلك ابن الشّبل قائلا:

لقد بلغ العدوّ بنا مناه ... وحلّ بآدم وبنا الصّغار (١)

فيالك أكلة ما زال منها ... علينا نقمة وعليه عار

نعاقب فى الظهور وما ولدنا ... ويذبح فى حشا الأمّ الحوار (٢)

ونخرج كارهين كما دخلنا ... خروج الضّبّ أخرجه الوجار (٣)

وكان وجودنا خيرا لو انّا ... نخيّر قبله أو نستشار

أهذا الداء ليس له دواء ... وهذا الكسر ليس له انجبار

وهو يقصد بالعدو إبليس وأنه بلغ فى بنى الإنسان كل مناه من الغواية والضلال فحلّ بآدم وبهم الهوان والصغار، فيالها أكلة إثم ويا له ذنب جرم! . ويعود ابن الشبل إلى أساه وحزنه على أبناء جنسه، فقد يعاقبون وهم أجنة فى أحشاء أمهاتهم فيموتون، ومن يولد وتمتد به الحياة يحرج منها كرها خروج الضّبّ من جحره. وهكذا نجئ ونخرج دون اختيار، وإن هذه الحياة كلها بأسرارها وألغازها لداء يعز دواؤه، وهذا الموت إنه لكسر لا يمكن انجباره. ويمضى فيتحدث عن انقضاء الحياة الدنيا وتحطمها كما يصور ذلك القرآن الكريم إذ تتكور الشمس وتتناثر الكواكب وتنفطر السموات وتذهل كل مرضعة عن ابنها وتسيّر الجبال وتسجّر البحار، ويقول إن فى ذلك كله لعبرة وعظة لأولى الألباب. وله مرثية بديعة فى أخيه أحمد يقول فى تضاعيفها:

يا أخى عاد بعدك الماء سمّا ... وسموما ذاك النسيم الرّخاء

كيف أرجو شفاء ما بى وما بى ... دون سكناى فى ثراك شفاء

شطر نفسى دفنت والشّطر باق ... يتمنىّ ومن مناه الفناء

إن تكن قدّمته أيدى المنايا ... فإلى السابقين تمضى البطاء

إنما الناس قادم إثر ماض ... بدء قوم للآخرين انتهاء

والمرثية كلها بكاء وأنين، وتفكير فى الموت، موت الأحباب واندلاع الحزن بعدهم والبكاء، مع ما يخلّفون من غصص تعترض بالشجى فى الحلوق. ويقول إنما نحن بين ظفر وناب من خطوب كأنها سباع ضارية، ويأسى للإنسان وغدر الدنيا به واستردادها فى المساء ما وهبته فى الصباح، وكأن الإنسان يعيش فى حلم أو كأنما يعيش بدون عقل،


(١) الصغار: الذل والهوان.
(٢) الحوار: ولد الناقة لحظة وضعه ويريد الجنين.
(٣) الوجار: جحر الضب وغيره. والضب: من جنس الزواحف، يكثر فى صحراء الجزيرة العربية.

<<  <  ج: ص:  >  >>