لا يتزايد مرضهم أو حتى يزول بالعافية ولا شئ وراء العافية، وأما الفلاسفة فيطبّون للأصحاء وبذلك يفيدونهم كسب الفضائل التى تؤهلهم للحياة الإلهية. وإن كسب المريض بعض الفضائل فليست فضائله من جنس فضائل الصحيح، إذ الأولى (فضائل المريض) تقليدية والثانية برهانية، والأولى مظنونة والثانية مستيقنة، والأولى جسمية والثانية روحانية، والأولى دهرية والثانية زمانية. وقال إننا جمعنا بينهما لأن الشريعة لا تعترف بالفلسفة بينما الفلسفة تعترف بها لأن الشريعة عامة والفلسفة خاصة فجمعنا بينهما لأن العامة قوامها بالخاصة، كما أن الخاصة تمامها بالعامة.
وأخذ الحريرى ينقض أفكاره فكرة فكرة مبينا ما فيها من فساد، فقال له إن كلامك يخالف الواقع، إذ لا يوجد طبيبان: طبيب للمرض وطبيب للصحة، بل ذلك شئ خارج عن العادة، فدائما الطبيب يعنى بحفظ الصحة ودفع المرض، وإذن سقطت تلك الفكرة المضللة. ونقض عليه ما زعمه من أن الفضيلة الدينية تقليدية والفلسفية برهانية، فقال له إن الدينية برهانية لأنها صادرة عن الوحى ولذلك تستقيم مع أى برهان، أما الفضيلة الفلسفية فهى التقليدية، لأن مدارها على رأى الشخص فيوافقه أو يخالفه آخر، فهى لا تثبت ولا تستقر بحال. ويعجب الحريرى أشد العجب من جعل المقدسى الشريعة من باب الظن وهى بالوحى، والفلسفة من باب اليقين وهى من الرأى. ويقول له: إنك غالطت وموّهت إذ زعمت أن الفضيلة الدينية جسمية والفضيلة الفلسفية روحانية، إذ الصحيح العكس لأن الشريعة وحى من الله والفلسفة من قبل أشخاص ذوى أجسام، وهى تناقش الأجسام والأعراض. ويسأله إنك تقول إن الفلسفة للخاصة فلماذا تحاولون جمع العامة لها، بينما تقولون الشريعة للعامة، فلم تجمعون بين متفرقين؟ إنه لجهل أى جهل. وبالمثل يقول له إنك تذكر أن الشريعة تجحد الفلسفة، فلماذا تريدون حملها عليها قسرا. وبذلك أخرسه. وقد عاد يسأله أى شريعة تريدون وصلها بالفلسفة، ولماذا تعنون بالتوفيق بينها وبين الدين الحنيف، بينما فى المتفلسفة نصارى ومجوس ويهود.
ويصارحه بأنه لا يرى من إخوان الصفا من يقوم بأركان الدين ويتقيد بالكتاب والسنة ويراعى معالم الفريضة ووظائف النافلة، ويتساءل أين كان الصحابة والتابعون من الفلسفة؟ ويعلن إليه أن هذه المحاولة من التوفيق بين الشريعة والفلسفة إنما هى كيد للدين القويم، حاوله من قبلهم كثيرون فباءوا بالخذلان والخسران المبين. ويذكر له طائفة كبيرة من معجزات الرسل، ويدعو المقدسى وصحبه إلى الإيمان بالشريعة دون تأويل ولا تدليس ولا تعليل ولا تلبيس.