للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«ولولا أن الأيام صحائف العجائب. ولا يأنس بمتجدّداتها إلا من حنّكته التجارب، لم أصدّق هذه الحركة، وإنى ما أراها إلا عثرة من جواد وعورة على كماله، وإلا فمن أين يدخل الزلل على ذلك الرأى السديد والعقل الراجح والفكر الصائب. .

والفائت لا كلام فيه، غير أن العقل يقضى باستدراك الممكن وتلافيه، بالانحراف عن الهوى إلى الرأى الصادق، والرجوع عن تأويل النفس إلى مراجعة الفكر الناضج».

وتمضى الرسالة على هذا النحو، لا يدخل السجع فيها عن تكلف أو تعمل، بل لا بأس بما يأتى منه عفوا دون تعمد الإتيان به ومحاولة جلبه مع كل عبارة وصيغة. وأكبر الظن أن ابن زبادة كان شذوذا بين كتاب الإنشاء قبله وبعده، فقد كانوا غرقى فى السجع ومحسنات البديع إلى آذانهم. ولم نعرض للعماد الأصبهانى، وكان كاتبا بليغا، لأن حياته الأدبية إنما تتكامل له فى ظل نور الدين وصلاح الدين، إذ عمل فى دواوينهما، فحرى أن يوضع بين كتاب الرسائل الديوانية فى الشام ومصر، مع من عاشوا فى ظل هذين البطلين العظيمين. ونمضى إلى أيام المغول ويلقانا عطا ملك الجوينى المتوفى سنة ٦٨١ وكان رئيس الديوان ببغداد، وقد اهتم به، فوظّف فيه طائفة من الكتاب المجيدين، منهم بهاء (١) الدين الإربلى المتوفى سنة ٦٩٢ وشرف (٢) الدين على بن أميران المتوفى سنة ٦٩٣.

ويلقانا فى صبح الأعشى كاتبان يكتب كل منهما رسالة باسم بوكدار بن هولاكو الذى مرّ بنا فى الفصل الأول أنه أسلم فى سنة ٦٨١ وحسن إسلامه، وتسمّى باسم أحمد. أما الرسالة الأولى فكتبها الفخر بن عيسى الموصلى عن السلطان أحمد إلى الملك المنصور قلاوون صاحب الديار المصرية فى جمادى الأولى سنة ٦٨١ يخبره فيها بما أتمّ الله عليه من نعمة الإسلام، وهو يفتتحها على هذا النمط (٣):

«إلى سلطان مصر، أما بعد فإن الله سبحانه وتعالى بسابق عنايته، ونور هدايته، قد كان أرشدنا فى عنفوان الصّبا وريعان الحداثة إلى الإقرار بربوبيته، والاعتراف بوحدانيته، والشهادة لمحمد عليه أفضل الصلاة والسلام بصدق نبوّته، وحسن الاعتقاد فى أوليائه الصالحين من عباده وبريّته (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام) فلم نزل نميل إلى إعلاء كلمة الدين، وإصلاح أمور الإسلام والمسلمين، إلى أن أفضى إلينا بعد أبينا الجليل وأخينا الكبير نوبة الملك، فأضفى علينا من جلابيب ألطافه ولطائفه،


(١) انظر ترجمته فى فوات الوفيات ٢/ ١٣٤ وعند العزاوى ١/ ٢٥٩.
(٢) راجعه فى الحوادث الجامعة (تحقيق مصطفى جواد-طبع بغداد) ص ٤٨٠ وعند العزاوى ١/ ٢٦٠.
(٣) صبح الأعشى ٨/ ٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>