فى الحمد لله، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتجرى الصلاة فى رسالة البساسيرى على هذا النمط:
«الحمد لله الذى اختص محمدا صلى الله عليه وسلم برسالته وحباه، وأولاه من كرامته ما حاز له به الفضل وحواه، وبعثه على حين فترة من الرسل، وخلاء من واضح السبل، فجاهد بمن أطاعه من عصاه، وبلغ فى الإرشاد أقصى غايته ومداه. . إلى أن دخل الناس فى الدين أفواجا، وسلكوا فى نصرته جددا (طريقا) واضحا ومنهاجا، وغدت أنوار الشرع ضاحكة المباسم، وآثار الشرك واهية الدعائم، ومناهل الهدى عذبة صافية، فصلّى الله عليه وعلى آله الطاهرين وأصحابه المنتخبين، وخلفائه الأئمة الراشدين، وسلّم تسليما».
ولعلى لا أخطئ إذا قلت إنه أسلم مبكرا على الأقل فى منتصف القرن الخامس حين كتبت هذه الصلاة فى رسالة البساسيرى لا كما ذهب ابن خلكان إلى أنه أسلم سنة ٤٨٤.
وواضح أن السجع كان يسيل على قلمه، وكان يعنى فيه باصطفاء ألفاظه وأن تروع بجرسها الأسماع على نحو ما نرى فى الفقرة التالية من عهد يوسف بن تاشفين:
«وأمره الخليفة أن يعدل فى الرّعايا قبله، ويحلّهم من الأمن هضابه وقلله، ويمنحهم من الاشتمال، ما يحمى به أمورهم من الاختلال. . ويضفى على المسلم منهم والمعاهد (الذمىّ) من ظل رعايته ما يساوى فيه بين القوى والضعيف، ويلحق التليد منهم بالطريف، ليكون الكل وادعين فى كنف الصّون، راجعين إلى الله تعالى فى إمدادهم بالتوفيق وحسن الطاعة والعون، وأن ينظر فى مظالمهم نظرا ينصر الحق فيه، وينشر علم العدل فى مطاويه. . ملينا لهم فى ذلك جانبه، ومبينا ما يظل به كاسب الأجر وجالبه، جامعا لهم بين العدل والإحسان، وجاعلا أمر الله تعالى فى ذلك متلقّى بالطاعة الواضحة الدليل والبرهان، قال الله تعالى: {(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).}
وهو يلتزم السجع على هذا النحو فى رسائله، محاولا بكل ما استطاع أن يصفّى ألفاظه من الشوائب، ويخليها من جميع الأدران حتى تروق السامع، وحتى يبلغ من التأثير فيه كل ما يريد، وهو يستتم تأثيره بما يختم به فقره فى هذا العهد وفى غيره من رسائله بما يورد من آيات الذكر الحكيم التى تضئ بأشعتها الكلام وتجذب إليه القلوب والأفئدة.