للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صور البيان، موضحا توضيحا تامّا ما يحتاج الكاتب إلى العكوف عليه واستيعابه وتمثله من العلوم اللغوية والبلاغية والأشعار وأمثال العرب وحفظ القرآن الكريم والحديث النبوى مع معرفة الأحكام السلطانية وخاصة أحكام الخلافة والولايات وما يتصل بذلك من الفقه.

وبلغ من إعجاب بعض الأسلاف بالكتاب أن قالوا: «إن المثل السائر للنظم والنثر بمنزلة أصول الفقه لاستنباط أدلة الأحكام». وله بجانبه كتب أخرى، منها كتاب الوشى المرقوم فى حلّ المنظوم، وقد أفرد فيه فصلين لبيان الاستعانة بآيات القرآن الكريم والحديث النبوى فى الرسائل.

وكتاب المثل السائر يضع تحت أعيننا طريقته وخصائصه فى رسائله الديوانية، وهو يعنى فيها قبل كل شئ بالسجع وتوشيته بالصور البيانية والمحسنات البديعية، مع نثر ألفاظ القرآن الكريم والحديث النبوى فيها وحلّ أبيات الشعر. وعادة يسوق فى الكتاب أمثلة كثيرة من كتاباته يصور بها جوانب من صناعته فى رسائله، من ذلك استيحاؤه آيات سور الرعد والذاريات والصافات، وهى: (الله الذى رفع السّموات بغير عمد ترونها) (وفى السماء رزقكم وما توعدون) (وحفظا من كل شيطان مارد لا يسّمّعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب) إذ يقول فى إحدى رسائله واصفا غبار الحرب:

«وعقد العجاج (١) شفقا فانعقد، وأرانا كيف رفع السماء بغير عمد، غير أنها سماء بنيت بسنابك الجياد، وزيّنت بنجوم الصّعاد (٢)، ففيها ما يوعد من المنايا لا ما يوعد من الأرزاق، ومنها تقذف شياطين الحرب لا شياطين الاستراق».

ويعرض علينا أمثلة من اقتباسه للحديث النبوى وألفاظه فى رسائله، فمن ذلك ما روى عن الرسول عليه السلام من أنه فى غزوة حنين أخذ قبضة من التراب وألقاها فى وجوه الكفار قائلا: «شاهت الوجوه». ونقل ذلك ابن الأثير إلى إحدى رسائله واصفا الانتصار على العدو وسحق جنوده قائلا: «أخذنا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى النصر الذى نرجوه، ونبذنا فى وجه العدو كفّا من التراب، وقلنا: شاهت الوجوه». ويورد ضياء الدين أمثلة كثيرة من حله للأشعار، من ذلك بيت المتنبى الذى يصف فيه استنقاذ سيف الدولة لقلعة الحدث من الروم وتجديد بنائها وتمزيق العدو شر ممزّق، إذ يقول:

وكان بها مثل الجنون فأصبحت ... ومن جثث القتلى عليها تمائم

وقد نثره ضياء الدين فى وصف معركة مماثلة قائلا: «وكأنما كان بالبلدة جنون، فبعث لها من عزائمه عزائم، وعلّق عليها من رءوس القتلى تمائم». ومن ذلك بيت البحترى:


(١) العجاج: الغبار.
(٢) الصعاد: الرماح.

<<  <  ج: ص:  >  >>