للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى ذلك فى المقابسة الثانية من كتابه «المقابسات» وفى المسألة الرابعة والثلاثين من كتابه «الهوامل والشوامل». وأيضا فإنه يدافع عن العرب بقوة-دفاع العربى الأصيل-ضد الشعوبيين من معاصريه أمثال الجيهانى، ويرفعهم مكانا عليّا، كما يرفع لغتهم على كل اللغات لبيانها الرائع على نحو ما يلقانا فى الليلة السادسة من ليالى كتاب الإمتاع والمؤانسة.

وليس بين أيدينا شئ واضح عن طفولة أبى حيان ومرباه ومنشئه، وطبيعى أن تكون طفولته عادية وأن يختلف إلى الكتّاب مثل لداته يحفظ القرآن الكريم والشعر ويتعلم الخط والحساب، وأكبر الظن أن أباه لاحظ فيه مخايل ذكاء منذ نعومة أظفاره، مما جعله يدفعه إلى حلقات العلماء فى المساجد، وكانت مفتوحة ومهيّأة لكل من أراد لونا من ألوان المعرفة. ويذكر أبو حيان طائفة كبيرة من أساتذته فى كتاباته، منهم فى النحو واللغة أبو سعيد السيرافى المتوفى سنة ٣٦٨ وفى البلاغة والبيان على بن عيسى الرمانى المتوفى سنة ٣٨٦ وفى الفقه أبو حامد المرورّوذى المتوفى سنة ٣٦٢ وفى الحديث أبو بكر الشافعى صاحب الغيلانيات المتوفى سنة ٣٥٤، وفى التصوف جعفر الخلدى تلميذ الجنيد المتوفى سنة ٣٤٨ وفى الفلسفة وعلوم الأوائل يحيى بن عدى تلميذ الفارابى المتوفى سنة ٣٦٣ وأبو سليمان المنطقى السجتانى الذى مرّ ذكره، وقد تعرّف به فى مجلس يحيى بن عدى وانعقدت بينهما صداقة وثيقة، حتى إذا استقل أبو سليمان بندوة أو مجلس كمجلس يحيى بن عدى أصبح أبو حيان من روّاده، بل من ملازميه ومسجّلى ما يدور بحضرته.

وكان من أكبر الأسباب فى اتساع ثقافته وأنها شملت كل علم وفن احترافه الوراقة أو نسخ الكتب بالأجرة للناس، فقد قرأ وكتب بيده كثيرا من الكتب فى كل فن وفى كل علم، وانطبع كثير مما كتبه فى ذهنه وحافظته سواء أكان نثرا أو شعرا. واشتهر بشغفه بكتب الجاحظ وتوفره على تصحيحها وخاصة كتاب الحيوان، فكان ما يكتبه منه يعدّ نسخا نفيسة فى عصره ويدرّ عليه مكافأة جزيلة، كما جاء فى مقدمة كتاب الإمتاع والمؤانسة، بل لا شك فى أن كل ما كان يكتبه كان يجزى عليه الجزاء الحسن.

وتظل حياة أبى حيان مجهولة لنا حتى أوائل العقد السادس من القرن، إلا ما نعرفه عنه من أنه كان ورّاقا، يعيش من نسخ الكتب، ونراه يذهب إلى الحج فى سنة ٣٥٣ ويتعرف فى مكة على جماعة من الصوفية، منهم ابن الجلاّء والحرّانى، وفى كتاباته روايات وأخبار نسبها إليهما. وعاد إلى بغداد فى سنة ٣٥٤ والتقى فيها ببعض المتصوفة. ويبدو أنه أنس فى نفسه شيئا من القدرة الأدبية، فرأى أن يقصد إلى ابن العميد فى الرّىّ لعله يجد لنفسه عملا عنده، أو لعله يوصى به أولى الأمر فى خراسان. ويظل بعيدا عن بغداد منذ سنة

<<  <  ج: ص:  >  >>