للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما أصابعها فكمساويك شجر الإسحل. وكل هذه الأوصاف مبثوثة فى المعلقة، وإذا تركنا حديثه فيها عن المرأة إلى حديثه عن الفرس وجدناه يشبهه بخذروف الوليد ومداك العروس وصراية الحنظل والصخرة الملساء تسقط من عل، كما يشبهه بالظبى فى خاصرتيه والنعامة فى ساقيه والذئب فى عدوه والثعلب فى تقريبه وقفزه. ونحس دائما أنه يحاول أن يطرف سامعه بما يورد عليه من الصور الغريبة، كقوله:

كأنّ دماء الهاديات بنحره ... عصارة حنّاء بشيب مرجّل (١)

فدم الوحش الذى صاده امرؤ القيس يلطّخ صدر الفرس فيتراءى كأنه عصارة حناء صبغ بها شيب، إذ لا يكاد يفترق عن الخضاب فى شئ. ويخرج من ذلك إلى وصف السيل والمطر، فيفزع إلى التشبيه الكثير، كأنه لا يرى الشعر شيئا بدونه، وهو لذلك يوشى به كل شئ يعرض له فى المعلقة، سواء حين يصف الثريا أو يصف الليل، وقد أبدع فى وصفه لقطعه وأجزائه، فهى ماتنى تتدافع وتتلاحق غير منتهية. وألم بالوحش، فشبه بقره بعذارى دوار، يقول:

فعنّ لنا سرب كأن نعاجه ... عذارى دوار فى الملاء المذيّل (٢)

وبذلك عكس الصورة فشبه البقر بالنساء، وهو تشبيه مقلوب، تبعه فيه الشعراء، وأصبح ضربا من ضروب الخيال التى ينسجونها.

وننتقل معه إلى مطولته (ألا عم صباحا أيها الطلل البالى) فتلقانا نفس تشبيهاته للمرأة التى لقيتنا فى معلقته، فهى كالظبية وبيضة النعامة، بل هى كالتمثال الجميل يقول:

ويا ربّ يوم قد لهوت وليلة ... بآنسة كأنها خطّ تمثال

ويشبه وجهها فى إشراقه بالمصباح، ويقول إنها لينة ممتلئة كحقف الرمل أو ما استدار منه، ويشبهها بالغصن فى اعتدال قوامها وتثنيها، أما شعرها فكشماريخ النخل فى تداخله وغزارته. ويعرض لليل ونجومه فيشبهها بمصابيح رهبان، ويحدثنا


(١) الهاديات: المتقدمات من بقر الوحش. مرجل: مسرح.
(٢) السرب: القطيع. النعاج هنا: بقر الوحش. ودوار: صنم كانوا يطوفون به فى الجاهلية. المذيل: الطويل السابغ.

<<  <  ج: ص:  >  >>