وكان هذا الكتاب النفيس يدرس للناشئة فى كثير من البلدان العربية فى هذا العصر وشطر من العصر الحديث، وحرى بنا أن نعود إلى دراسته لهم فى المدارس الثانوية، حتى نمدهم بخير زاد لتقويم سلوكهم وتربيتهم تربية خلقية سديدة. وكثيرون يظنون أن قوام نثرنا الرسائل الرسمية والشخصية!
وحسبنا هذا الكتاب لنرى منه خطأ هذه الفكرة وأن فى العربية كتبا نثرية نفيسة لا تمتد صفحاتها فى أسجاع قلما تحوى غذاء فكريّا، بل تمتد فى أسلوب مرسل وتشتمل على زاد من غذاء خلقى تربوى رائع.
ومر بنا أننا نظن ظنا أن ابن مسكويه ألف هذا الكتاب قبل أن يعرض عليه أبو حيان أسئلته الكثيرة التى أجاب عنها فى الهوامل والشوامل، وظننا أن ابن مسكويه أجاب أبا حيان عن أسئلته الكثيرة بعد رجوعه بخفى حنين من لدن الصاحب ترويحا عن نفسه الجريح، ونقول الآن إن كتاب تهذيب الأخلاق هو الذى دفع أبا حيان إلى أن يعرض أسئلته الكثيرة على عالم الأخلاق وفيلسوفها كما اتضح فى هذا الكتاب، وأيضا كما اتضح فى الفوز الأصغر، فقد ألفه ابن مسكويه هو الآخر قبل الهوامل والشوامل بدليل أنه ذكره فى بعض صحفه.
ويكمل كتاب الهوامل والشوامل نظرات ابن مسكويه الأخلاقية. والكتاب مجموعة من المسائل الهوامل التى تحتاج إلى إجابة، جمعها أبو حيان، وقد بلغت مائة وخمسا وسبعين مسألة، وجّهها إلى الفيلسوف الأخلاقى ابن مسكويه، فأجاب عليها إجابات شوامل، وهى موزّعة بين مسائل خلقية ولغوية وأدبية وعلمية. وإجابات ابن مسكويه تصوره حقا متفلسفا ومفكرا كبيرا، وقد أعجب الأستاذ أحمد أمين فى تقديمه للكتاب بإجابة بديعة من إجاباته رد بها على سؤال أبى حيان هل تأتى الشريعة بما يخالف العقل ويأباه كذبح الذبائح مثلا؟ فقد ردّ على هذا السؤال قائلا:
«ليس يجوز أن ترد الشريعة من قبل الله تعالى بما يأباه العقل ويخالفه، ولكن الشاكّ فى [مثل] هذه المواضع لا يعرف شرائط العقل وما يأباه، فهو أبدا يخلطه بالعادات، ويظن أن تأبىّ الطباع من شئ هو مخالفة للعقل. والعقل إذا أبى شيئا فهو أبدىّ الإباء له لا يجوز أن يتغير فى وقت. . وأمر العادة قد يتغير بتغير الأحوال والأسباب والزمان. . وذبح الحيوان ليس من الأشياء التى يأباها العقل وينكرها بل هو من الأشياء التى تأباها بعض الطباع والعادة».
ويذكر ابن مسكويه أن ما يعرض للإنسان من كراهية ذبح الحيوان إنما هو لمشاركته له