وكيف أنه غاية الإنسان من وجوده حتى يحصل على الفضائل، وهو لا يحصل عليها إلا إذا طهرت نفسه من الشهوات الجسمانية والنزوات البهيمية ويفرق بين الخير والسعادة، فالخير عام للبشر جميعا والسعادة خاصة بكل إنسان حسب ما يحقق لنفسه من المآرب العقلية وغير العقلية. ولما كان الخير كثيرا ولم يكن فى طاقة الإنسان الواحد القيام بجميعه وجب أن تنهض به جماعة كثيرة، حتى يتوزعوه، ولذلك يجب على الناس أن يحب بعضهم بعضا لأن كلا منهم لا يتحقق كماله إلا بغيره. ويرى أن الأجناس الكبيرة للفضائل أربعة هى الحكمة والعفة والشجاعة والعدل، ويأخذ فى بيان أنواع كل جنس من هذه الأجناس ملاحظا نظرية الأوساط الأخلاقية عند أرسطو، وهى أن الفضيلة دائما تقع بين رذيلتين.
ويأخذ برأى جالينوس القائل بأن الناس أقسام ثلاثة: أخيار بالطبع وهم قلة، وأشرار بالطبع لا يمكن أن يتحولوا أخيارا وهم كثرة، ووسط بين الطرفين، وهم قابلون لأن يكونوا أخيارا بالتأديب أو أشرارا أيضا بالتعليم، وقد ينتقلون إلى الخير بمصاحبة الأخيار وبالمثل إلى الشر بمصاحبة الأشرار. وينقل عن أرسطو أن الشرّير قد ينتقل إلى الخير بالتأديب.
ويعرض للشريعة وأنها هى التى تقوّم الناشئة وتعوّدهم الأفعال الخيرة، ويقول إن كمال الإنسان فى اللذات المعنوية لا فى اللذات الحسية، وإن من الواجب أن ترّبى الناشئة على أحكام الشريعة ثم تنظر فى كتب الأخلاق حتى تتأكد تلك الأحكام والآداب فى أنفسها.
ويدلى بفصل طويل فى تأديب الناشئة والصبيان يقتبس أكثره من بروسن ويتحدث عن طائفة من الآداب فى المطاعم وغيرها، ويطيل فى الحديث عن الخير والسعادة وفرق ما بينهما مما أشار إليه. ويفيض فى بيان الفضائل. ثم يتحدث عن التعاون والاتحاد، وفى رأيه أنه لا يمكن أن تقوم جماعة بدون المحبة، وأن علم الأخلاق إنما هو علم الإنسان بما يجب عليه فى الجماعة، وبها تفسّر الأخلاق، فليس هناك خلق فاضل لا يكون محوره الجماعة، ومن هنا كانت الأفعال الدينية لا توصف بأنها خلقية وكانت العبادة تخرج عن علم الأخلاق. ومن آرائه الطريفة أن أحكام الدين الحنيف تؤلّف مذهبا خلقيا يقوم على محبة الإنسان للإنسان، ولذلك كانت العبادات دائما تتطلب الجماعة على نحو ما هو معروف عن الندب لصلاة الجماعة وفرض صلاة الجمعة واشتراك الناس فى أداء فريضة الحج. وهكذا تقوم شريعتنا على الأنس والمحبة، وفى الذروة من المحبة محبة الله وتليها محبة التلاميذ لأساتذتهم ثم محبة الأبناء لآبائهم. ويقف عند الصداقة طويلا مبينا آدابها، ثم يتحدث أحاديث طريفة عن أمراض النفس وأسبابها وعلاجها وكيف أن الإنسان فى حاجة إلى أن يعرف عيوب نفسه، ويعرض طائفة من الرذائل كالتهور والغدر والغضب.